TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الرؤية الشمولية

الرؤية الشمولية

نشر في: 21 مايو, 2012: 07:22 م

 ناظم محمد العبيدي استطاع العقل العلمي أن يتجاوز التوهان في ظواهر الحياة وربطها بقوانينها الشمولية، وبهذه الرؤية يمكن الخروج من التخبط بنتائج دقيقة، لكن ما يجري عندنا هو الفوضى الذهنية التي درج عليها العقل البسيط ذو التوجهات الانتقائية، فلا يمكن العبور من مقدمة ما إلى حقيقة كلية تغنينا عن البقاء في دائرة واحدة، ولهذا تبدو الحقائق لمن اعتاد أن يجزئها دون النظر إلى علاقاتها مع بعضها كوحدات منفصلة، فهو مشغول بذلك الجزء وتفاصيله ولا يكترث لعلاقته مع الأجزاء الأخرى،
ويمكن تلمس الجانب البدائي في هكذا آلية ذهنية كما يقول علماء الأنثروبوجيا، حين كان الإنسان في العصور السحيقة الأولى لا يفرق بين ذاته وبين مكونات الطبيعة، فقد غابت " أناه " ولم  يعرف القوانين الكلية التي تحكم الطبيعة من حوله، فراح يغرق في خضم أساطيره بدافع الجهل والخوف من مجاهيل هذا العالم من حوله، بيد أن العقل الحديث وبعد أن تراكمت لديه المعرفة تجاوز قرون الجهل وتمكن من صنع أعظم حضارة عرفتها البشرية، بصرف النظر عن الجوانب السلبية التي رافقتها طبعاً، وصارت النظرة التحليلية إلى مظاهر الوجود هي السمة الأبرز، ومن المثير حقاً أن جمهورا واسعا في مجتمعات العالم الثالث مازالت تحيا وهي تحمل تلك التصورات القديمة، والنظرة المجتزأة إلى ما يحيطها من ظواهر، فما زلنا ننظر إلى تفاصيل حياتنا اليومية دون الوعي بتأويلاتها المنطقية، فكيف نقرأ حادثة مثل إهمال الرجل العسكري الذي يمثل النظام العام للدولة وهو يقف في السيطرة متحدثاً بهاتفه المحمول مثلاً؟ يفعل ذلك مشيحاً بوجهه بعيداً عن طابور السيارات الممتد، وهو يضحك مع محدثه الغائب الحاضر، هاهنا تختفي الدلالة في العقل الانتقائي لهذه الحادثة ويصبح الموضوع بكل ما ينطوي عليه من مفارقات محصوراً بهذا الشخص تحديداً ولا يرتبط بأي شيء آخر، مع أن واقع الحال يشير إلى معنى آخر جعل العسكري في حالة من اللامبالاة بالناس الذين كانوا يراقبونه في نفاد صبر، وربما بكثير من الحقد، إن الغاية من السيطرة تلاشت وحل مكانها الفعل المجرد " الروتيني"، حيث تبرز حقيقة أننا نؤدي أفعالنا عادة ـ وفي سياق عام مشجع على نمط متكاسل ولا مبال ـ لا بدافع تعززه القناعة الذاتية أو حتى احترام للقانون، بقدر ما نسعى إلى إدامة الشكل المطلوب منا، ذلك الشكل المراد إيجاده بديلاً عن الحقيقة الغائبة "التفتيش بحثاً عن المتفجرات أو ما يسيء إلى الأمن"، والحقيقة أن الأشخاص يتصرفون ـ علموا بذلك أم لم يعلموا ـ بحسب تأثيرات المحيط الذي هم فيه، ويخضعون بالضرورة لمتطلبات وجودهم داخل تلك الشبكة من العلاقات، فالفرد الموجود في أي مكان من العالم محكوم بتلك الشبكة والتي تحمل مسميات: القانون، التقاليد.والغريب أن ظاهرة الانتقائية في التفكير عندنا هي السمة السائدة، وربما كانت وراء الفشل المرافق للكثير من المشاريع التي تسعى إلى الإصلاح أو معالجة الأخطاء، لأن العقل التجزيئي لا يلتفت إلى جذر المشكلات ويظل مسجوناً في مظاهرها الخارجية، ومن المفيد هنا أن نشير إلى ملاحظة الفيلسوف "برجسون" عندما تحدث قبل قرن من الزمن إلى طبيعة العقل الإنساني، وكيف يوقف ديمومة الحياة التي هي في جريان متصل عند نقطة ما لكي يتمكن من رؤيتها ودراستها، وهذه تقنية مفيدة إذا استطاع الإنسان أن يتجاوزها إلى ماهو أبعد، أي النظر بطريقة كلية إلى أية ظاهرة ولا يكتفي بالوقوف عند تبدياتها الخارجية، ولأننا أدمنا النظر بتلك الطريقة المضيعة للمعنى، والاكتفاء بمظاهر الأشياء فقد صنعنا الكثير من الاتحادات والمؤسسات والتجمعات والتشكيلات، ولكن ماهي محصلة كل ذلك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram