TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > عرس فـي القرية!

عرس فـي القرية!

نشر في: 21 مايو, 2012: 07:23 م

سليمة قاسم توجهت مع مجموعة من قريباتي إلى إحدى المحافظات القريبة من بغداد لتلبية الدعوة التي وجهتها لنا قريبتي لحضور زفاف ابنتها، وبعد مسير عدة ساعات وصلنا إلى بيتها الذيسليمة قاسم ن النسوة من جاراتها وقريبات العريس بثيابهن الزاهية وزينتهن المبالغ فيها.
تطلعت في وجوه تلك النسوة اللواتي كن يعشن على الهامش، ولم يجدن سوى الإذعان وتنفيذ أوامر الرجل، كانت أحاديثهن تدور حول ما يفعله بهن الرجال من الأزواج أو الإخوة أو  الآباء وحتى الأبناء، وما يتعرضن له من سوء التعامل والضرب والإهانة وفرض الرأي، ولكن بطريقة ساخرة فيها الكثير من الهزل.تحدثت إحدى النساء عن إصرار زوجها على تزويج ابنتها من رجل لا تحبه بعد أن فشلت هي في إقناعه بتزويجها من قريبها الذي كانت ابنتها تحبه، وبعد أن طلقت الفتاة تحملت أمها النتيجة، فقد اعتاد زوجها على توجيه اللوم  لها كونها هي السبب في فشل زواج ابنتها، دون أن يحمّل نفسه الذنب.كانت أغنية (لا تضربني لا تضرب كسرت الخيزرانة، صارلي سنة وست أشهر من ضربتك وجعانة) تصدح في أرجاء البيت كأنها تحكي عما تعانيه تلك النسوة، أو تتنبأ عن مصير العروس التي تستعد لدخول حياة جديدة يبدو أنها لن تختلف كثيرا عن حال قريباتها وبنات قريتها اللواتي يعشن نفس الظروف وإن اختلفت التفاصيل.تحدثت امرأة ثانية لا تزال في مقتبل العمر عن زوجها الذي أصبح شيخ العشيرة رغم صغر سنه وكيف كان يجيد حل مشاكل قريته وأقاربه لكنه لا يجيد حل مشكلته معها، فقد كان لا يكرر طلبه أكثر من مرة، وفي المرة الثانية يكون طلبه مصحوبا بضربة قوية، وبكل ما تقع عليه يداه.وقد روت امرأة أخرى قصتها وهي مشغولة بهدهدة طفلها الصغير كيف تزوج عليها زوجها مرة أخرى، بحجة أنها عاجزة عن إنجاب ولد يحمل اسمه. وكانت المفارقة الطريفة أن زوجته الجديدة أنجبت بنتا وهي ولدت صبيا، وحين طالبته بتطليقها رفض ذلك بحجة أنها أصبحت أم ابنته.أما أكثر النساء سخرية فقد أكدت أن تصرفات زوجها في النهار مرتبطة ارتباطا وثيقا بما يفعله في المساء، ضحكت النسوة بعد أن عرفن ما تقصده تلك المرأة المشاكسة.استمرت النسوة بسرد معاناتهن وبأسلوب ساخر، فأمرمناقشتها  حتى مع أقرب الأقرباء مرفوض رفضا باتا وفقا لعرف المجتمع الذي يرى في موضوعة العنف شأنا عائليا بحتا.هدأت النسوة بعد أن شعرن بالتعب من كثرة الرقص والحديث عن معاناتهن اليومية، وهنا جاء دوري ورحت أحدثهن عن الظلم الذي يتعرضن له، وكيف أن المرأة هي كائن لا يختلف عن الرجل في شيء، ولها حقوق مثلما عليها واجبات،  وعلى الرجل أن يحترمها ويقدر مشاعرها وأنها تستطيع أن ترفض ما يفعله بها.سكتت النسوة وكأنّ الطير فوق رؤوسهن، ورحن بعدها يطرحن الأسئلة عما يمكن فعله للتخلص من اضطهاد الرجل وتحكمه فيهن، أجبت عنها بوضوح وبساطة وبطريقة تتلاءم مع درجة استيعابهن.أما أم العروس ويبدو أن حديثي لم يرق لها فقد سألتني عما فعلته أنا بالذات للدفاع عن المرأة، أخبرتها أنني سخرت قلمي للدفاع عن قضايا بنات جنسي وكشف ما يتعرضن له أولاً، وثانياً أنا عضوة في  سكرتارية إحدى منظمات المجتمع المدني التي لها تاريخ مشرف في الدفاع عن المرأة.كان لابد أن أطرح حلا معينا بدلا من الكلام، اقترحت مثلا تنظيم تظاهرة لنساء القرية وللمدافعات عن حقوقهن في ساحة التحرير، أما ردود الأفعال فقد كانت متباينة، بعضهن رفضن الفكرة رفضا قاطعا، أما البعض الآخر فقد  اقترحن أن يذهبن للساحة منقبات خوفا من بطش الرجال بهن، وبالنتيجة لم توافق أي امرأة على الذهاب معي إلى ساحة التحرير!ساد صمت مطبق حين دق موبايل أم العروس، طريقتها في الحديث أوحت أن زوجها هو المتصل، بعد انتهاء المكالمة طلبت مني أم العروس مرافقتها لجلب حاجة ما، اعتذرت عن الذهاب معها لكوني متعبة، وبعد مدة عادت أم العروس لكن وضعها غير الطبيعي أثار انتباهي، وحين جاء أهل العريس لاصطحاب العروس إلى بيت الزوجية، بكت أمها بكاء مريرا، اقتربت منها لتهدئتها،  فأشارت إلى خدها الذي احمر فهمست في أذني  أن زوجها قد فعل ذلك بها حين ذهبت للبيت قبل قليل لأنها نسيت كيّ ثوبه، ثم همست في إذني مرة أخرى  قائلة" أنا مستعدة  للذهاب إلى ساحة التحرير"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram