د. محمد حسين حبيب أحد عشر عرضاً مسرحياً في مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي السابع في عمان للمدة من 5 – 10 / أيّار 2012 ، تنافس صانعو هذه العروض على (الحلم بالحرية) .. كاشفين عن ظاهرة القهر والاستلاب التي يعانيها أبدا إنساننا العربي .. مسرحيون عرب وأجانب اتفقوا – دون اتفاق مسبق – على أن لا وجود للحرية في المجتمع الإنساني عامة والعربي بشكل خاص وأعم ،
برغم كل الذي حدث وسيحدث عبر ما يسمى بربيع الثورات العربية الذي جعل عروض هذا المهرجان (خريفا) وبجدارة .. وسأبدأ مع هذه العروض – لا بحسب تسلسلها في برنامج المهرجان – بل بحسب أهميتها الفنية والإبداعية كما نرى (نقديا) . أبدأ بعرض مسرحية ( Master Konnichiwa ) إخراج ( Ursula Litschauer ) لفرقة ( Theater Asou ) من النمسا ، تمثيل ( Michael Hofkirchner ) هو عرض مسرحي مونودرامي ينتمي إلى عروض فن الأداء، اتخذ من المسرح الدائري خيارا لفضائه المنظري المفعم بالبساطة الشديدة للوهلة الأولى، لكن ما أن بدأ العرض حتى تحولت هذه البساطة إلى سحر مسرحي خلاق وحقيقي حيث تواصل معه الجمهور ولمدة (مائة دقيقة) بفاعلية وبلا ملل.. فالحكاية والأداء التمثيلي والإخراج والتقنيات كلها تداخلت هارمونيا لتحقق المتعة المسرحية إلى جانب التلقي التواصلي الذي فقدته عروض أخرى في المهرجان .. يبدأ العرض بدخول شخص يبدو عليه مهرجا إلى مطعم ياباني خال ، إلا من أدواته المطبخية والديكورية البسيطة لنكتشف أن المطعم سيفتح قريبا وتبدأ اللعبة المسرحية حين يتحول المهرج صاحبا للمطعم لكن بقيادة الماستر المتخفي وهو على شكل دمية توجه الزبون كيفية خدمة نفسه بنفسه، وعبر حركات تبدو ساخرة أول الأمر من السلوكيات المطعمية اليابانية إلا أنها كانت تروج لها عبر محاكاة مسرحية لحضارة شرقية عظيمة لها قواعدها وأسس التعامل في سلوكياتها المتفردة، ولكي يحظى هذا المهرج بأن يصبح (كونغ فو) في النهاية بعد تنفيذه كافة أوامر الماستر دون التفكير بحرية سلوكية أو اختيارية .. لقد برع ممثل العرض (Michael Hofkirchner ) بالكشف عن أدائه التمثيلي الخلاق - لغة وحركات جسدية خارقة - فَهِم الجميع إشاراتها وإحالاتها الكوميدية ، فكل شيء في هذا العرض كان متحركا لا خاملا، الممثل مع الحركة الإخراجية مع التقنيات السمعية والبصرية مع الجمهور مع المكان وصولا لتحقيق هذا التكامل في العلاقة الفنية بين كل هذه العناصر الدرامية الفاعلة في هذا العرض . العرض الثاني مسرحية (زهايمر) لفرقة المسرح الحر الأردنية، توليف (علي عليان) إخراج (إياد الشطناوي) تمثيل (رائد شقاح) وأيضا هو عرض مونودراما لكن من نوع الكوميديا السياسية الساخرة ، حيث كشف العرض وعبر صندوق حكاياته المتصدر وسط المسرح الذي يستخرج منه الممثل شخصياته ببراعة مسرحية، كشف عن العلاقات المصالحية العفنة بين عدد من الذوات وأصحاب المناصب الرئاسية والمتنفذة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ممن انغمسوا بكل أنواع الفساد السياسي والإداري والتجاري والديني .. الإشارة لهم بالاسم الصريح تارة وبالرمز والإشارة المسرحية (كالزي والموسيقى والغناء الشعبي واللهجة العامية) تارة أخرى، إلى جانب توظيف أغاني (أحمد عدوية) و(حسين الجسمي) و(ديمز روسيز) كإحالات دلالية تعزز الكشف عن مساومات دولية رخيصة باحثة عن وطن للبيع وللاستملاك .. تأسس فضاء العرض ضوئيا، حيث برع مصمم الإضاءة (محمد المراشده) بوضع الفعل المسرحي المتحرك وبخطوط ضوئية داخل ضلعي مثلث مفتوحين على الصالة، تاركا الضلع الثالث غائبا، إلا أننا نكتشف أن الجمهور داخل المثلث حتى يكون داخل اللعبة المسرحية ذاتها.. لقد كشف ممثل العرض (رائد شقاح) عن إمكانية أدائية متميزة حين قدم لنا مجموعة من الشخصيات الرجالية منها والنسائية، كاشفا بذلك وعبر كل هذا (الكذب/ اللعب ) المسرحي ، عن تلك الحقائق التي يحاول رجل (السياسة) – وبالكذب - طمرها ... عرض (زهايمر) يبحث عن الحرية وبجدارة ، فقد عبّر بطله عن طريقة حبه وتمسكه وانتمائه لوطنه ، فلا مساومات أو تنازلات عن بيع شبر واحد من الوطن . مسرحية (ششه كخه) للفرقة الليبية للمسرح والفنون ، تأليف (فتحي القاسمي) إخراج (شرح البال عبد الهادي) ، من العنوان التحذيري والتنبيهي للأطفال كلهجة ليبية وتشابهها في دول عربية أخرى، يتضح لنا كل شيء ممنوع حيث القيود كانت من حول الشخصية الأولى في العرض الذي أداه الفنان القدير ( إبراهيم إدريس ) منذ لحظة ولادته حتى لحظة الندم على هذه الولادة التي اكتنفتها سيرة أليمة عانت القهر والاستلاب في مختلف تحولاتها العمرية منذ الطفولة، فالمدرسة إلى الخدمة العسكرية إلى الزواج، وصولا إلى الشعور بالإحباط والحرمان من ابسط الحقوق الآدمية والتفكير بالعودة الى رحم الأمومة الأول بوصفه السجن الأكثر حرية له.. عِبر كل هذه التحولات المؤلمة التي صاحبها الضاحك المبكي وبطريقة الكوميديا السوداء .. كل شيء في حياة البطل (ششه كخه) كان ممنوعا ومحظورا عليه.. لا خيارات، لا حرية في الانتماء، لا شيء سوى الجبروت والتسلط المتمثل بالشخصية الثانية التي أداها الفنان الموهوب حقا (عز الدين الدويلي) فكان الأم والمعلم والضابط والعروس، فأمام
الحالمون بالحرية.. في مهرجان المسرح الحر
نشر في: 21 مايو, 2012: 07:33 م