احمد المهنا من يمشي على الأرض يستطيع ارتقاء تل، وصعود جبل، وربما الطيران أيضا. أما من تزل قدمه ويسقط في هاوية فان أمل المشي على الأرض المستوية يصبح متعذرا عليه. ترى لو اردنا الترميز لحال العراق بهذين المثلين فأيهما الأقرب اليه؟ الماشي أم "المتهاوي"؟
لكي يستطيع أي بلد المشي فانه يحتاج الى قدمين. القدم الأولى هي القيادة. والأخرى هي المشروع أو الهدف. ودور القيادة هي أن تسير بالبلد الى المشروع وصولا الى تحقيقه. والقيادة والمشروع يتحركان في كيان من الجغرافيا البشرية يسمى الدولة. وهذه الدولة لكي تكون حقا دولة يجب أن تكون مؤمنة من التدخلات الخارجية الضارة بالقيادة والمشروع. أي ان تكون مستقلة.فأي من هذه المقومات متوفرة في البلد؟ان قيادة البلد تتمثل برؤوس "العملية السياسية" المكونة من الكتل الرئيسية الثلاث: التحالفان الشيعي والكردي وائتلاف العراقية. وهؤلاء كما ترون ليسوا "كلب على كلب". وفي هذه المرحلة هناك تكتل من التحالف الكردستاني والعراقية والتيار الصدري "هدفه" ايجاد "جارة" مع المالكي إما بإلزامه باتفاقيات أربيل، أو بسحب الثقة منه.لكن المسألة بالطبع ليست "على كيفهم". هناك الجار الشرقي، الأخ الأكبر الذي ستكون له الكلمة الفصل في وقت ما، وبعد درجة ما من تداعيات الأزمة. وسواء انتهى الأمر الى "كسر عظم" أو تسوية، فان مشكلة القيادة لن تحل، فهذه "عملية سياسية" لإدارة الصراعات لا إدارة البلد.وحتى لو لم تكن هناك أزمة بين القيادات، فما هو المشروع المشترك الذي يجمعها؟ ان الجماعة دائخة حول الاتفاق على صيغة الحكم: هل الدستور وحده كاف؟ أم هناك الى جانبه "التوافق" بين القيادات؟ مع خلاف جذري كهذا فان "المشروع" يصبح خارج دائرة التفكير.ان مشاريع الدول تتعلق عادة بالمستقبل. وهذه لا توجد ويبدأ العمل بها دون معرفة حال البلد معرفة شاملة بموارده المادية والبشرية وبناه التحتية من سياسة وأمن وقضاء ونقل وتعليم وصحة وثقافة وزراعة وصناعة وتجارة وعمالة وبطالة وصحافة. وهذه المعرفة تحدد ماهية المشاكل، ليمكن بعدها البحث عن حلول في اطار "مشروع وطني" يتحدد بخطط تنموية. ومن الواضح أن لدينا مشكلة هائلة في معرفة "حال الأمة". فنقطة الشروع في هذه المعرفة هي الاحصاء السكاني، وهو اجراء متعذر حتى الآن لأسباب سياسية. كم دولة في العالم مثلنا تجهل عدد سكانها؟والحال فان القيادة عندنا "مضروبة"، والمشروع معدوم. أما القرار السياسي والأمني فان لايران "دالة" عليه من جهة، ومن جهة أخرى هناك من يحاول موازنة هذه "الدالة" بقوى أجنبية أخرى، مثل أميركا وتركيا وحتى السعودية وقطر.ان "القيادة" في أي بلد هي دائما نقطة الانطلاق. وانظروا، على سبيل المثال، العمل الجهنمي للمالكي مع قيادات "العراقية": الهاشمي هارب، النجيفي مهدد بسحب الثقة، المطلك سيرة بهذلة من شموله بالإجتثاث الى طرده من مكتبه في "الخضراء" الى العودة غير المظفرة لموقعه. أما علاوي فليس أمينا رغم افلاسه من قافلة المناصب. والخلاصة لا قيادة ولا مشروع ولا استقلالية. ولذلك فإن الناس محقة عندما تردد دائما عبارة "البلد ماشي بالقدرة". ولكن الناس اذا شاءت المبادرة لانتزاع القدرة فلن يزعل القدر، كما لاحظنا ذلك عليه في بلدان الربيع العربي!
أحاديث شفوية :البلد ماشي بالقدرة
نشر في: 24 مايو, 2012: 05:20 م