ناظم محمد العبيدي يمكننا القول ولن نخطئ أو نغالي أن الكهرباء في العراق هي استعارة حقيقية لمشكلة السياسة في العراق، ومن أراد أن يضع يده على الجذر الحقيقي للمشكلة السياسية فما عليه إلا أن يسأل ببساطة: ما الذي يجعل بلداً مثلا العراق يعاني حتى هذه الساعة نقصاً في هذه الخدمة الأساسية والتي بدونها تتراجع الحياة إلى القرون الوسطى؟
بعد سنوات طوال تبين للجميع ـ إلا بعض السياسيين والقائمين على وزارة الكهرباء ـ أن السبب الأول هو فقدان النزاهة الأخلاقية وبكلمة مختصرة الفساد، والسبب الثاني هو التخبط وعدم المعرفة، والسبب الثالث فقدان الجدية لدى المسؤولين الحكوميين للضغط بهذا الاتجاه، والسبب الرابع أن كثيرين ممن يعملون في أجهزة الحكومة أو التجار المتعاملين معهم يجنون فوائد كبيرة في استمرارية الأزمة، تمشياً مع قول المتنبي: مصائب قوم عند قوم فوائد، لأن إجمالي ما ينفق من العراقيين على حلول ومعالجات ترقيعية هو مبلغ خرافي يجعل الولدان شيباً، يتقاسمه ذوو النوايا الطبية كلا بحسب حجم معدته وما يتمتع به من سلطة تساعد على الهضم! فهل نسينا سبباً آخر؟ البعض يقول ـ وحتى لا يفوتنا رأي ـ أن وراء الموضوع بكل مافيه من بؤس ومعاناة للمواطنين أهدافا سياسية، والمقصود إبقاء العراق والعراقيين بلا طاقة، لكي تتعطل الحياة فلا يعيش الناس بشكل طبيعي سواء في ممارسة أعمالهم أم ممارسة حياتهم اليومية،ويمكن تخيل الملايين من الناس مشغولين ليلاً ونهاراً بهكذا مشكلة، فتارة تعطلت مولدة الحي وأن صاحبها سوف يأتي بأخرى، وتارة أن صاحب المولدة الأهلية وجد مشروعاً آخر فحمل مولدته ورحل أو باعها لآخر لا يعرف كيف يديرها ويديم عملها وووويمكن تخيل الوقت والجهد والمال الضائع في قصة لم تحدث في تاريخ العالم، وهذا مايرجح قول البعض أن هاهنا غاية سياسية، تقنية قديمة لإشغال الناس وصرف أنظارهم عن التفكير بما هو أبعد من حاجاتهم الضرورية!وبالعودة إلى مقدمتنا المنطقية إلا تشكل هذه الأسباب جميعاً مشكلة السياسة في العراق؟ ألا يفتقر الكثير من السياسيين إلى النزاهة في تعاملهم مع قضية العراق ومستقبله؟ ألا يتخبط الكثير منهم في مواقف صبيانية تتخذ لها مسميات مضحكة مثل الكتلة والحزب والطائفة، في الوقت الذي تتراجع فيه مكانة العراق في مختلف المجالات؟ وكأن الكتلة والحزب والطائفة أصبحت في عقولهم القاصرة بديلاً عن العراق، وهي فكرة صبيانية فلامعنى لأي شيء بلا وطن ينعم بوضع طبيعي بين سائر الدول، ولا معنى لأي منصب سياسي أو حكومي في بلد يعاني الفوضى والبؤس، إن تردي الخدمات وتبديد الثروات يكذب كل الشعارات والخطب التي تفتتح عادة منذ عقود بـ:" أيها الشعب العراقي العظيم..."حين تتوفر الخدمات ومنها الكهرباء أيها السادة سوف يكون بمقدورنا الإصغاء للخطب وكل الحوارات السياسية دون أن نستعيد تاريخاً مديداً من الأكاذيب والوعود والبطولات!
مشكلة السياسة وأزمة الكهرباء!
نشر في: 26 مايو, 2012: 06:18 م