TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > هل ثقافة اللاعنف ممكنة في العراق؟

هل ثقافة اللاعنف ممكنة في العراق؟

نشر في: 26 مايو, 2012: 06:23 م

ورود الموسوي للجواب على هذا السؤال لنفهم أولاً كلمة ثقافة التي نرددها جميعاً دون وعي حقٍّ بجذورها أو منبتها لنعرف مدى إمكانية ما نتحدث عنه.. كلمة ثقافة في أصلها العربي تعني تقويم ما اعوَجَّ وتعني أيضا سرعة الفهم والحذق وثَقُفَ الرجل ثَقافةً أي صارَ حاذقاً خفيفاً (حسب لسان العرب).. وبالعودة لذات الكلمة باللغة الانجليزية لرأينا أن كلمة ثقافة Culture مشتقة من جذر الفعل اللاتيني Colere والذي يعني أنبتَ أو زرعَ..
إذن الثقافة زراعة للطبيعة البشرية وتثقيفها أي تشذيبها واستنبات لشيء يساعد في ترميمها.. وما يساعد في إنبات الثقافة عوامل عدة منها ما هو طبيعي فطري ومنها ما هو بيئي يحكمه الواقع والمجتمع.. والإنسان أيا كان عرقه حين يولد تولد معه غرائز كثيرة منها:العنف واللا عنف.. فهو بطبعه ليس عنيفاً  لكنه قادر على رياضة نفسه لتنزع لأي الجهات شاء في حال اكتشافه الجزء المحتاج للتثقيف والزراعة.عودةً للعراق وثقافة اللا عنف.. العنف بشكله الأوسع حاضر بكل ما فيه في نبض حياة الشعوب.. وبخاصة التي تحمل ذاكرةً حربية مليئة بالدمار والدم كالتي يحملها الشعب العراقي ولا يمكنه التخلص منها بليلة وضحاها..فالفرد العراقي مازالَ محكوماً بالصورة التي جعلته من حيث لا يشعر عنيفاً , شرساً ومجرماً حتى لو نام على رصيف.. جعلته عنيفاً حتى مع المفردات التي يستخدمها.. حتى الشعراء.. ونحن كثيراً ما تباهينا أن الشعر عراقي دون أن نُرجع قوة الشعر العراقي إلى قوة صوره التي مهما حملت من جمال فهو عنيف وصارخ وصادح.. فالشعر صار عراقياً إذن لعنف مفرداته وقوتها ولا أعني المأساة فقط بل في كل الحالات التي عبّر عنها حتى الحب والوجدان.. وعُد لكل الشعراء العراقيين ستجد قاموسهم الذي يميزهم مليئا بالمفردات الموجِعة والتي تئنّ من فرط قوتها أو عنفها على السامع.. بل تجاوز الفرد العراقي ذاك إلى حالة التعبير عن الحب فهو حتى في حبه عنيف وقاس مع مَن يحب،فترى البعض يشتم حبيبته أو يصفها بأقذع الألفاظ (من باب الحب) مما يحتاج لدراسة جادة من علماء النفس.. فهذا العنف الكلامي أوالجسدي ليس وليد صدفة أو فراغ بل ساهمت في صنعه عوامل كثيرة كلنا يعرفها ويشترك بجزء منها مع الآخر لكن من أهمها الذاكرة الجمعية التي لا يمكن أن تُنسى وأعني ذاكرة الحروب... والذاكرة الجمعية تخلق مجتمعاً يفكر بنمط واحد ويرى صوراً واحدة ويعيش ويتكاثر داخل منظومة واحدة.. وهذا ما يُلاحظ في العراق اليوم.فهل العراق قادر على إنبات وزرع وتثقيف النفوس باللا عنف..؟ أقول نعم لكن سنحتاج وقتاً طويلاً يمتد لثلاثة عقود على أقل تقدير من الآن كي نرى مجتمعاً معافى تماماً قادرا على فهم اللاعنف ونبذه بشكل واعٍ نابع من الذات لا بتأثيراتٍ خارجية.العوامل الثقافية والاجتماعية التي يمكن أن تسهم في إشاعة ثقافة اللاعنف كثيرة لكن أهمها اثنان:أولاً: وحده الوعي قادر على تخطي الأزمات.. حين يعي الفرد العراقي ولا نتحدث هنا عن نخبة النخبة  بل عن المجتمع الذي مازال يعاني  استلاب حقوقه ويرى أن العنف هو الحل الوحيد لاسترداد حقه (كما تعوّد وتربى عليه) من صور فلأن تصبح رجلاً أو شجاعاً فعليكَ أن تقاتل حتى النزع الأخير.. حين يفهم الرجل بعمق أن الرجولة لا تعني العنف وأن الدولة لا تعني الحرب والموت حينها يتغير وجه الشارع.ثانياً:  من العوامل المساعدة أن يتم إدخال منهج دراسي للأطفال تحت مسمى ثقافة اللا عنف وأن تبدأ التربية من الطفل لأنه الأساس الذي ستبني عليه لاحقاً.. وتغذيتهم بكلمات مثل السلام.. التسامح.. الحب.. اللا عنف.. كي تُزرع بهم ويتم تشذيبهم على هذا الأساس..بذاك أعتقد سنلحظ جيلاً جديداً قادراً على أن يزرع ما نبت به حتى بمن سبقوه.. هل يمكن التعويل على المؤسسة الرسمية في الترويج لثقافة كهذه؟ثقافة اللاعنف ليس موضوعاً فردياً ليتمكن الأفراد من خوضه بمفردهم بل هو كما أراه مشروعَ دولة.. لابد للمؤسسات الرسمية دخول الصراع ضد العنف ولابد من أن تتشكل لجان حقيقية من مثقفين مميزين قادرين على صنع الصورة التي تؤثر بالمشاهد وقادرين على صنع الإعلان والدعاية والفاصل الذي يرونه الناس كل يوم...أرى أن مسؤولية مشتركة تقع بالدرجة الأولى على وزارتي الثقافة والإعلام.. فالصورة اليوم هي التي تقتل أو تحيي وأصبحت من الخطر أنها سلاح ذو حدين والعنف واللاعنف صورة... علينا فهم اللا عنف لتركيبه بالشكل الصحيح وعلينا فهم العنف وأسبابه لهدمه بالشكل الصحيح.. فالمؤسسة الثقافية والإعلامية أمام مشروع هدم وبناء للصورة.. وهذا أخطر من الصورة نفسها.كيف يمكن أن نجعل ثقافة اللاعنف فاعلة في الحراك الاجتماعي؟من خلال الإعلام بالدرجة الأولى...من خلال ورشات عمل غير محددة الأماكن إذ يمكن تنظيم حملة وعي شاملة في الشوارع أو في الساحات... أو في المؤسسات الثقافية أو في أي مكان يمكن أن يصل إليه الناس جميعاً... أو حتى بلصق لافتات في المحال أو الشوارع...لا يمكن تصور دينٍ ما بصورة عنيفة.. لأن الدين حتى الذي يخلقه العقل الباطن لرجل في أقاصي الأحراش الاستوائية سيتخيّله على شكل ملاك يحتويه.. إذن ثقافة اللاعنف لا يتعارض معها أي دين أو عقيدة أو مبدأ.يمكن لأي إنسان أن يسهم من مجال عمله.. ويعطي فكرة أو يضيء حلقة من سلسلة اللا عنف.. فالكاتب يمكنه تسليط الضوء على العنف نفسه وتعريته بما يجب كي يراه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram