علي حسين الحاكم بأمر الله صلاح عبد الرزاق والي مدينة بغداد يشتمنا ويحذرنا من الخوض في مسائل تتعلق بالفساد. يقول أيضا إن (المدى) مؤسسة للرذيلة والخمور وإنها تسعى لإجهاض المشروع الثوري الذي يقوده سيادته في الاستيلاء على كل مشاريع المحافظة. السيد صلاح عبد الرزاق يحذرنا في الوقت الذي أكد مجلس محافظة بغداد أن المحافظ متورط بقضايا فساد ارتكبها وهدره لأموال الشعب وذلك تمهيدا لإقالته.
لكن يبدو أن المحافظ، قرر السكوت عن اتهامات مجلس المحافظة، فراح يتحدث عن المؤامرة التي تقودها مؤسسة المدى لتخريب المجتمع من خلال موقفها المعادي للإسلاميين كما صور له خياله، وبهذا يكشف المحافظ ان بضاعته التي يريد تسويقها للناس بضاعة قديمة لا سوق لها .. فالمعركة التي تخوضها المدى مع المحافظ لم تكن، لأن السيد المحافظ يخاف الله ويسهر على مصالح العباد ويبث قيم التسامح والمحبة، وان القصة ليست صراعا بين الإسلام الذي يتوهم المحافظ انه يمثله وبين العلمانيين واللبراليين، ولا اعتقد أن الناس يمكن إيهامها بان السيد المحافظ يذود عن حياض الدين ضد الأشرار الذين يتربصون به، بينما الوقائع تقول إن المعركة ضد منطق الفساد وإعلاء المصلحة الشخصية على مصالح الناس وضد سرقة أموال الشعب وضد تقريب الأحباب والأقارب وهي قيم يرفضها ديننا الإسلامي الحنيف وكل الأديان السماوية التي جاءت من اجل ترسيخ قيم العدل والخير والمحبة.حديث الولي الصالح صلاح عبد الرزاق عن الوطنية وعن الحرية التي وفرها لنا نحن المشعوذين أشبه بشعارات عفا عليها الزمن، حيث يسعى البعض في محاولة لتعويض فشله في تقديم الخدمات للناس، أن يخدعهم بخطاب التدليس الأخلاقي باسم الدين وبخطاب التدليس السياسي باسم الطائفية، من قبل ساسة لا يزالون يكافحون من أجل التواجد في الصورة، حتى لو اعتمدت دعواتهم خطابا تحريضيا بديلا عن مشروع سياسي قابل للجدل اتفاقا أو اختلافا.لم أكن أتصور أن صبر العراقيين سينتهي به الحال إلى أن تتحكم به شخصيات على شاكلة محافظ بغداد ممن سرقوا أحلام الناس وآمالهم بمجتمع يصبح الأمن فيه حقيقة ملموسة، يزدهر فيه العمران والحياة والعمل، مجتمع الحرية فيه مصانة والقانون سائد والقضاء قوي ومستقل والحدود آمنة والبطالة من أنباء الماضي والعلاج متوفر للفقراء قبل الأغنياء والمتسولين قد غادروا هذه المهنة لحياة كريمة.لم يكن يتصور أهالي بغداد أن محافظهم يتهيأ للاستجواب عن ملفات الفساد وهدر المال العام ونقص الخدمات، بخطابات وشعارات تدعو الناس إلى الالتزام بالأخلاق والحشمة وكأنهم يعيشون عصور الجاهلية، فلا يهم بالنسبة للسيد المحافظ أن تسرق أموال المشاريع ولا يهم أن تتحول بغداد إلى مكب للنفايات، ولا يهم أن يستولى المحافظ على منطقة سكنية بأكملها ويغلقها بوجه أهلها، بل المهم أن يشاهد اهالي بغداد يلتزمون طريق الهداية، وبوصايا القائد صلاح عبد الرزاق حفظه الله ورعاه. أعرف أن المصيبة فادحة، وأن الخراب فوق الاحتمال، لكن علينا أن نعمل على استعادة بغداد من أولئك الذين خنقوها وحشروها في بوابة العجز وقلة الحيلة، وأغلقوا كل النوافذ المطلة على أحلام التغيير والنهوض من جديد.علينا أن نتوحد جميعا كي ننتشل بغداد من تحت أنقاض سياسات بليدة لمجموعة من المغامرين تعاملوا معها باعتبارها شركة خاصة أو مؤسسة عائلية، يمصون دمها ويجففون خيرها كل يوم، ويحجبون شمسها عن أبنائها. وأكرر أن اللحظة سانحة للمجتمع العراقي المدني لكي يستعيد روحه التي أزهقها بارونات الحملة الإيمانية بدءا من "قائد الحفرة" وانتهاء بالملا صلاح عبد الرزاق، اليوم يحاول أنصار هذا الفكر تضليل الناس وتشتيت الانتباه عن القضية الأساسية، وهي مدنية الدولة، ليشغلوا وسائل الإعلام بحكايات وروايات من الخيال. لم تعد القضية بالنسبة لنا تتعلق بشتائم صلاح عبد الرزاق واتهاماته، وإنما في تحصين الدستور والقانون والحفاظ على الدولة واستقرارها.فمتى تفيقون يا دعاة دولة الفساد والمحسوبية فقد جعلتم أيامنا سوداء؟ أفقرتمونا، وحرقتم قلوبنا على وطننا وتاريخنا!
العمود الثامن:بضاعة محافظ بغداد الفاسدة
نشر في: 26 مايو, 2012: 07:17 م