: د. صبري زاير السعدييواجه العراق حاليا العديد من التحديات الاقتصادية الاجتماعية منها : انتشار الفقر ، تباطؤ النمو والتنمية الحقيقية ، نسبة عالية من البطالة ، انتاجية منخفضة ، مستويات معيشة هابطة ، و فساد متفش يتزايد كل يوم . من المفارقات ، انه منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق، بلغ مجموع صافي النقد الكلي،
من مبيعات صادرات النفط خلال الفترة من 22 مايس 2003 لغاية 31 كانون اول 2010 و الذي استلمه العراق عن طريق صندوق تطوير العراق، بلغ 250.956 مليار دولار بينما مجموع النقد الكلي الذي استلمه العراق خلال نفس الفترة بلغ 270.721 مليار دولار . من خلال الحكم عن طريق هذه الحقائق المالية فقط ، فمن الواضح ان الادارة الاقتصادية للبلاد عموما و استخدام ايرادات النفط بشكل خاص قد فشلت فشلا ذريعا . من الواضح ان هذه الحقائق المسببة للقلق تتطلب تغيرات اقتصادية جذرية و شاملة، و بالاخص فان العراق يحتاج الى نموذج اقتصادي جديد . على مدى العقود الستة الاخيرة، خضع العراق الى تغيرات اقتصادية جذرية و سياسية عنيفة، و منذ عام 1952 تلعب ايرادات النفط دورا مهما في التطور الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي للبلاد . لغاية 1980 ، كان استخدام ايرادات النفط من قبل الحكومات المتعاقبة يعد ببناء البنية التحتية للبلاد و يزيد من نموها الاقتصادي بالاضافة الى تحسين مستويات المعيشة . من الملاحظ ان النموذج الاقتصادي لسنوات السبعينات ( 1970 ) يتسم بهيمنة الدولة حيث زادت حصة القطاع العام من الناتج المحلي الاجمالي بشكل كبير و خاصة في صناعات النفط الخام و التعدين و البتروكيمياويات و الاعمال المصرفية و التجارة و التصنيع و الزراعة . تأثير الثروة النفطية على الاقتصاد السياسي ، خاصة خلال تجربة السنوات التسعة المؤلمة و المكلفة جدا في فترة ما بعد صدام ، توحي بضرورة ايجاد بديل لسياسات التحرير المجزأة و غير ذات الصلة و التدابير التي فرضتها سلطة الاحتلال الاميركي و جرى تطبيقها من قبل الحكومات في حالة من الفوضى . بعكس اصلاحات السوق التي تمارس بشكل واسع في الاقتصادات النامية، فان العراق بحاجة الى تغيير عميق لإعادة هيكلة الاقتصاد . بشكل خاص ، فان الاستثمار في شركات صناعية عامة جديدة – دعنا نسمها نموذج شركات دولة ، و يمكن ان نطلق عليها نموذج رأسمالية الدولة – من الضروري تأسيسه و تشغيله تحت ادارة غير سياسية لديها صلاحيات حرية المبادرة و القدرة على الابتكار و مهارات تنظيم المشاريع التي تناسب شروط التنافس في السوق . هذا النموذج يساعد على رعاية تحرير الاقتصاد على المدى البعيد و كذلك تحسين الاستهلاك المحلي للطاقة مما يحافظ على تدفق خبراء النفط في السوق العالمية . العراق ، مثل غيره من البلدان المعتمدة في ايراداتها على النفط ، يتسم بسيطرة الثروة النفطية على اقتصاده السياسي و على التطوير الاجتماعي الاقتصادي من خلال الاعتماد الكبير على صادرات النفط الخام من اجل تمويل اجمالي الطلب . كما ان الديناميكية الاقتصادية يتم التلاعب بها من خلال السياسات المالية و النقدية للحكومة و انشطة مؤسسات القطاع العام . الى جانب هذه السمات المشتركة ، فان البلدان المعتمدة على النفط لها ايضا اختلافاتها التي تميزها عن بعضها : سمات سياسية ، اجتماعية ، و ديموغرافية ( سكانية ) ، و قدرات انتاجية صناعية ، تنوع الموارد الطبيعية ، الناتج الاجمالي للفرد الواحد . من الواضح ان ايرادات النفط كانت الدافع للنمو الاقتصادي من حيث الناتج الاجمالي للفرد، لكنه غير كاف للتوسع المطلوب في القدرات المحلية لانتاج البضائع و الخدمات و التجارة . كما ان الاستخدام غير الرشيد لايرادات النفط قد قيّد الدافع للتحرير الاقتصادي و السياسي بسبب الديناميكية السلبية لايرادات النفط " المفرطة " التي تمول النفقات الحكومية " الباهضة " . احدى نتائج هذه الديناميكية كانت زيادة الاعباء المالية على الشركات العامة ذات الطراز القديم . بالاضافة الى ذلك ، فان اعانات طاقة النفط الخام المحلية ذات النهايات المفتوحة و استهلاك الطاقة المتزايد تضيف المزيد من القيود على الاصلاح الاقتصادي الهيكلي المطلوب . تحليل التجربة العراقية و منظورها يساعد في تأشير عملية النمو الاقتصادي المحتملة في البلدان المعتمدة على النفط في ظل ظروف إستراتيجية التنويع الاقتصادي الضرورية لتقليص مخاطر الظروف الخارجية غير المناسبة لصادرات النفط ( الايرادات ) . من هنا فان التاكيد على تقليل اعتماد الاقتصاد على النفط يجب اعتباره هدفا اوليا لاستراتيجية العراق و اصلاحاته الاقتصادية .التحديات المعقدة رغم الجدال الواسع المطول حول علاج التعامل مع المشاكل الرئيسية التي تواجه الاقتصادات المعتمدة على النفط، فان إعداد و تعديل المقترحات الاولية مطلوب لمواجهة الظروف المحلية الجديدة السائدة و اجتناب عواقب ازمات عصر العولمة الاقتصادية . بالنسبة للعراق، فمن المهم سياسيا، كخطوة اولى ، التوصل الى اجماع محلي على اهداف " رؤية مستقبلية وطنية " ، ثم تنقية اولويات الاستراتيجية الاقتصادية على المدى البعيد
أسبقية الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المعتمد على النفط
نشر في: 26 مايو, 2012: 08:09 م