سرمد الطائيأمامنا فرصة خلال الساعات المقبلة، ان نعلم هل سيبقى السيد نوري المالكي على رأس الحكومة ام يتنحى، ولا شيء محتوماً هنا. الرجل يجلس الآن على كرسي السلطان وسط مكتبه المستطيل الذي نراه على شاشات تلفزيون العراقية. يشاهد بفرح هذه المحطة المملوكة للدولة وهي لا تنقل اخبارا سوى اخباره.
يتابعها وهي لا تبث سوى انباء عن منجزاته، وأخرى عن اجتماعات تهدف الى ابقاء السلطات بيده، فيما تحجب كل المشاورات المجلجلة التي تريد محاسبته ومراجعة ادائه وصولا الى "خلعه".يجلس المالكي على هذا الكرسي وسط مكتبه المستطيل، ويفكر بـ"بدائل المشروعية"، ولا يشاهد سوى محطته التلفزيونية هذه، واحيانا (وربما بدافع الفضول لا الزهو)، ينتقل الى مشاهدة محطة غريبة عجيبة متخصصة في بث "اغاني شبابية"، لكنها تقطع بثها بين الحين والآخر لعرض اغنيات تتحدث عن الوطن والشجاعة والاقدام والخير، مع معادل صوري يظهر فيه المالكي متجهم الوجه محاطا بعدد كبير من قادة الجيش والشرطة الذين يديرون "امبراطورية نقاط التفتيش".يجلس المالكي وسط مكتبه ويحاول ان يطرد من رأسه، حقيقة ان ابرز 5 احزاب وكتل في البلاد ترفض بقاءه في المنصب. يحاول ان ينسى ان معنى هذا هو "خلعه" منذ اجتماع اربيل الاخير، و"خلعه" ثانية في اجتماع 19 ايار بالنجف. وأحيانا قد يشعر بسعادة حين يدرك انه تعرض الى "الخلع" مرتين، لكنه باق في هذا المكتب رغم كل شيء.يحاول المالكي ان ينشغل بعمليات حسابية بعد ان انتهى من "5 زائد 1 المخيب للآمال"، من قبيل "168 زائد 8؟ 40 زائد 69؟ 78 ناقص 10، او 11؟" مستعرضا في رأسه صور اعضاء البرلمان الذين قد يجدون انفسهم في اي لحظة، داخل تصويت سري على حجب الثقة.. يسأل نفسه عن "لعبة الارقام" هذه وما تعنيه، وقد يلعن كل "دروس الحساب الفائتة" ويقارن بين احتمالات ترغيب وترهيب عديدة، وذلك السيناريو "السهل" الذي يعيده مستشاروه على اسماعه خلال تأكيدهم ان "الاغلبية معه" رغم ان اكبر 5 احزاب ممثلة برلمانيا، ضده!ماذا يعني بقاء رئيس حكومتنا رغم كل احداث الشهور الخمسة الماضية، وماذا يعني رحيله؟اذا بقي بسبب عوامل اقليمية ودولية ترغم خصومه على منحه بضعة شهور اخرى، فإنه لن يتراجع عن سياسة التفرد. وذلك لأنه لم يؤمن يوما بسياسة انفتاح على الخصوم والمنافسين. ان بقاءه او ازاحته لا يتعلقان بمصيره كسياسي وحسب. وانما سيحددان الصيغة التي سيعتمدها العراق لادارة نفسه، او الصيغة التي سيضغط العامل الدولي والاقليمي على العراق كي يعتمدها.ازاحته ستعني ان العراق اعتنق حتى اشعار آخر، صيغة التعددية السياسية، وهي مدخل للديمقراطية المكتملة يضمن تعزيز دور المؤسسات المستقلة والفصل بين السلطات، ويحسم فكرة ان كتل مجلس النواب هي التي تمنح الشرعية حصرا، للسلطان العراقي ولاول مرة في تاريخه.اما بقاء المالكي فسيعني اننا برسم الدخول في مرحلة سوداء، قد يكون المالكي فيها اقل الاخطار، لان خطر هذه الحالة لا يتعلق بشخصه، بل يتعلق بقاعدة بدائية نريد مغادرتها، بينما تحيط بنا ظروف تهدف الى فرض شخص الحاكم رغم ارادة كتل البرلمان، على رأس حكومة ائتلافية شكلية يديرها فريق محدود، يعمل دون محاسبة او مراجعة.يجلس في مكتبه المستطيل، ويفكر احيانا بغرمائه وشركائه. لم يكونوا جادين من قبل كهذه المرة، في تقييده ومحاسبته. لكنه ألجأهم الى هذا بسبب "التمادي" في كل شيء. وبسبب انعدام اي منجز كبير بين يديه. تماديه جعلهم يخافون على "قواعد اللعبة". وغياب المنجز جعلهم "يستسهلون" الاطاحة بسلطان لم يفعل شيئا.الغرماء هؤلاء، مطالبون بتطوير قاعدة اللعب. وأول ما يتطلب فعله هو منع "تضخم" السلاطين، والاصغاء للتحذيرات التي يطلقها خبراء البلد ومثقفوه وناشطوه المدنيون ووسائل اعلامه، وهي تحذيرات كانت تقول ان المساس بأي قيمة حديثة في المجتمع، تعني فسح المجال امام "قواعد متخلفة" لن تطيح بأنصار الحداثة السياسية وحسب، بل تأكل نارها كل مراكز القوى التقليدية والحديثة على حد سواء.الصيغة الوحيدة للتمسك بمبدأ التعدد السياسي وعدم ظهور دكتاتور، هو منح الحصانة القصوى، لمبادئ الانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي في البلاد، فهي مصل سحري في وسعه حماية كل مراكز القوى، وحماية المجتمع بكل تنوعه. وهي تذكرة دخول الى "حفلة الفائزين" في العالم الحديث.اكثر من شخص سيظل الليلة ينشغل بعمليات حسابية "168 زائد 8؟ 40 زائد 69؟ 78 ناقص 10، او ناقص 11؟".
عالم آخر: بقاء المالكي و"68 ناقص 10"
نشر في: 26 مايو, 2012: 08:57 م