د. معتز محي عبد الحميد (2-2) ومن أكثر الأمثلة شيوعاً، بل وحتى وضوحاً في المجتمع، بخصوص هذا الشأن، والتي تُظهر بالفعل أهمية تلك المسألة، وضرورتها، هو ما يحدث في أجهزة الإحصاء الجنائي المركزية في الدول كافة، فالمعلومات التي يتم جمعها ضمن الأنشطة الروتينية لتلك الأجهزة، والهادفة عادة للتعداد الجنائي، وسائر الأنشطة الإحصائية الأخرى، تمر غالباً بمرحلة «الترميز»،
لدرجة أنه من الممكن أن يكون في تلك الأجهزة، إذا كان عملها محكماً، وهذا أمر نادر، إدارة مستقلة متخصصة تقوم بعمليات الترميز، وإن كانت تهدف عادة لتسهيل عمليات إدخال المعلومات إلى الحاسوب، واختصار الكثير من الوقت لتنفيذ هذا الأمر، إلاّ أنها أيضاً يمكن أن توفر الدعم والتعزيز لمبدأ سرية المعلومات، الذي غالباً ما تتعهد به بشكل قانوني، موثّق، تجاه المجتمع ككل، عند تنفيذها لتلك الإحصاءات. إن تطبيق مبدأ «ترميز» المعلومات الأمنية واعتماده ضمن آلية العمل الأمني، واعتباره كأحد مراحل التعامل مع المعلومات الخام، أسوة بما يحدث في أجهزة الإحصاء، أصبح ضرورة ملحة في هذا العصر المعلوماتي، وبخاصة في ظل الحاجة للتنسيق والتعاون الأمني، بهدف خلق حالة من التكامل بين جهات متعددة، أو حتى بين إدارات متخصصة في الجهة ذاتها، تعتني كل منها بنوعية معينة من المعلومات، أو إجراءات يتم تطبيقها عليها، وذلك بهدف منع العديد من الأخطار الأمنية المحتملة، بحيث يُراعى دوماً أن هناك من المعلومات ما يمكن الإفصاح عنه، وتبادله ضمن قنوات آمنة، وبشكل واضح وجلي بهدف التنسيق والتعاون، وهناك أيضاً ما يتوجب الإفصاح عنه، أو تبادله، بشكل رمزي، أو أن يكون أشبه بقاعدة رياضية أو حتى مؤشرات ناتجة عن عمليات التحليل للمعلومات المرمّزة، وتبقى الحالة الأخيرة، والتي تعتبر الأهم، وهي أن هناك من المعلومات ما لا يمكن الإفصاح عنه على الإطلاق، وقد تكون الحاجة لذلك أحياناً، لتحقيق التنسيق والتعاون الأمني، أكثر من أي شيء آخر!إن الفوائد التي يمكن أن توفرها تلك العمليات، يمكن أن تفوق ما نقصده تحديداً هنا في هذا المقال، لكن من المؤكد أن الخبراء الأمنيين، الذين مارسوها ونفذوها عملياً عند نقلهم وتداولهم للمعلومات الأمنية والاستخبارية ضمن قنوات «غير آمنة»، يستطيعوا الآن أن يكتشفوا كيف يمكن لهذه الوصفة السحرية أن توفر مزيداً من الانضباط الأمني المعلوماتي، والذي سيساهم بشكل كبير في ضمان سرية المعلومات المتداولة، حتى في القنوات التي تعتبر آمنة، ومنع وقوع الكثير من الثغرات المسببة للخروقات الأمنية، بالإضافة إلى ما توفره من تعزيز لمبدأ التنسيق والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة، وغير المشتركة، بطريقة تحفظ لكل جهة خصوصيتها المعلوماتية، ناهيك عن السهولة التي ستوفرها تلك الوصفة حتى في كشف أية ثغرات قد يتم اختراقها في أي مرحلة من مراحل العمل، الذي يتم ترميزه بطريقة مميزة من شأنها أن تساعد بالتأكيد على كشفها.
تحت المجهر :أسس التعاون والتنسيق الأمني
نشر في: 27 مايو, 2012: 09:00 م