TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ماذا بعد السلطة الرابعة؟

ماذا بعد السلطة الرابعة؟

نشر في: 29 يونيو, 2012: 11:11 ص

 نضال يوسف تتصاعد حدة التساؤلات هذه الأيام حول دور الصحافة في التأثير على الحياة العامة، أو على الأنظمة الحكومية، وفيما إذا تمكنت بالفعل أن تكون سلطة رابعة لها القدرة على خلق رأي عام، عن طريق تعبئة الجماهير وتحفيزها على الحركة للمطالبة بحقوقها، أو أن تشكل عوامل ضغط مؤثرة تدفع بالأنظمة السياسية إلى تغيير أدائها بما يتناغم مع مطالب الجماهير.rn 
لاشك أن تسمية الصحافة بالسلطة الرابعة في المجتمعات العربية أمر مبالغ فيه على نحو ما، خصوصاً حين تستشري في تلك المجتمعات أمراض الطائفية أو الإثنية أو العرقية، وخضوع قواها الثقافية والسياسية لسلطات الأنظمة الأيديولوجية أو القبلية أو العسكرية. كان تعبير السلطة الرابعة قد شاع بداية القرن الثامن عشر، ولم يقع في ظن المفكر والسياسي الانكليزي "وليم هازليت"، الذي أطلق هذه التسمية، أن تلتصق بالصحافة، وأن تتمدد وتتسع لتصبح سلطة فاعلة لها قدرة تغيير حكومات ورؤساء دول في بعض المجتمعات، أو تبقى عاجزة ومهملة في مجتمعات أخرى. والواقع إن هذه التسمية أطلقت على الصحف الإنكليزية بالتحديد، في مرحلة كان المجتمع الإنكليزي يغلي بعوامله الذاتية،وغيوم التحولات تتجمع فوق مدينة اللوردات والتقاليد الفيكتورية الصارمة،وكانت الصحف في ذلك الوقت قد بدأت تتحول إلى أدوات تعبئة وإثارة للرأي العام ضد النظامين السياسي والاجتماعي، وكانت استجابة الجماهير للمقالات التي تنشر فيها قد بدأت تثير قلق الطبقات العليا في المجتمع، وتسبب إزعاجا للملك والكنيسة وطبقة الإقطاعيين والرأسماليين الصناعيين، الأمر الذي أوجد حالة حراك شعبي راح يضغط على سلطات الملك والكنيسة والبرلمان، وهو ما دعا هازليت إلى وصف الصحافة بالسلطة الرابعة،كونها أصبحت قوة سياسية، يمكن ملامسة تأثيراتها على الأرض، على الرغم من عدم تمتعها بالصفة الدستورية، لكنها امتلكت قدرة كبيرة على التغيير، شأنها في ذلك شأن السلطات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد لا نكون منصفين لو تمسكنا بالمفهوم القديم للسلطة الرابعة باقتصار التسمية على الصحافة الورقية فقط. إذ أن وسائل إيصال الخبر والرأي إلى الجماهير باتت متنوعة ومختلفة في الكثير من التفاصيل، بل يمكن القول باطمئنان إن وسائل الإعلام الحديثة مثل الإذاعات المسموعة والمرئية وشبكة الانترنت وغيرها تفوقت بشكل كبير على الصحف، إلا أن الهدف الرئيس لكل تلك الوسائل كان ولا يزال واحداً يتمثل في توعية وإيقاظ الرأي العام، وتحفيزه على الحركة، حتى تصبح حركته قوة ضغط فاعلة على السلطات الحاكمة لتصحيح مساراتها، بما ينسجم مع مصالح الجماهير وبما يتلاءم مع مزاجها النفسي. هذا الأمر يدفع إلى تسمية كل وسائل الإعلام بالسلطة الرابعة، ذلك أن الإعلام في جوهره الحقيقي هو الوسيلة الضرورية التي تستخدمها الجماهير للتعبير عن رأيها، وإيصال رسائلها، بمعنى أن السلطة الرابعة هي قوة الرأي العام، على الرغم من أنها سلطة سياسية اعتبارية غير دستورية، لكنها تبقى قوة فاعلة في متناول الجماهير تستخدمها للدفاع عن نفسها حين تستشعر بوعيها الكامن أن الأنظمة الحاكمة لا تعبر عن أمانيها في المستقبل ولا تحقق مصالحها في الحاضر. وتتفاوت قوة السلطة الرابعة من بيئة إلى أخرى، وقد تنعدم تماماً في بعض الأحيان، أن قدرتها على التأثير تعتمد بشكل أساس على وعي الجماهير وطبيعة النظام السياسي. في الأنظمة الديمقراطية، أو على الأقل في الدول المتحضرة، لا توجد إشكالات كبيرة في العلاقة بين الأنظمة السياسية والشعب. إذ أن السلطة الرابعة، أي قوة الرأي العام، تمارس دوراً ايجابياً في تصحيح مسار الحكومات يرضى ومباركة الحكومات نفسها، من خلال خلق رأي عام ضاغط يدفع بالنظام السياسي إلى تصويب أدائه، وتقويم انحرافاته، والتنبه إلى مشاعر الجماهير والأخذ برأيها، ويصل دور الجماهير إلى الذروة حين تقوم بمشاركة النظام السياسي في إدارة مصالح المجتمع، الأمر الذي يساعد في إرساء قوائم الدولة ويخلق نوعاً من التوازن الاجتماعي والسياسي ضمن معايير الدستور الذي يعد أساس الحكم في أي نظام سياسي. ذلك يعني في كثير منه أن السلطة الرابعة هي الحلقة التي تربط أجزاء السلسلة المنفرطة لتعيدها سلسلة واحدة،وأنها الوسيط بين الجماهير ونظام الحكم، وهي ساعي البريد الذي ينقل رسائل الناس إلى الحاكم، أو أنها الطبيب الذي يشخص المرض قبل أن يستفحل في جسم المريض، وقد لا يستوعب الكثيرون أن الالتزام بالوصفة الطبية التي يوصي بها الطبيب يجنب الذهاب إلى إجراء عملية جراحية لا تؤتمن نتائجها. وفي أنظمة الحكم الديكتاتوري لن يتاح للسلطة الرابعة أن تكون ذات تأثير فاعل على الرأي العام، ولن يكون بمقدورها أن تتحول إلى قوة بيد الجماهير، وهو ما يؤدي إلى تعطيل دورها وتسفيه غاياتها، خصوصاً حين تكون السلطات الدستورية الثلاث مجتمعة في يد شخص واحد، أو فئة واحدة، أي أن يكون الحاكم أو الفئة البوابة التي تتحرك عبرها السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية. ولكن..ماذا لو عجزت السلطة الرابعة عن إنجاز مهماتها، وتعطل دورها، هل ثمة سلطة أخرى بيد الجماهير تستخدمها للدفاع عن مصالحها ؟ عندما تتوقف السلطة الرابعة عن القيام بدورها، إن كان بتكاسلها أم بإهمال، أو تجاهل النظام السياسي نداءاتها، فإن ذلك يع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram