علي شاكر العباديجاءتنا مقالة السيد خضير ميري بعنوان " نحن وجان جنيه وعلي شاكر العبادي" مشكورا على عرض ترجمة نصي جان جنيه "راقص الحبل" و"الصبي المجرم" في جريدة الدستور العراقية في عددها الصادر بتاريخ 01-03-2012 وكانت عرضا سريعا لأفكار وحياة جنيه. لقد تناول السيد ميري أفكار جنيه في تعامله مع الجريمة والخروج على القانون، والمثلية،
والمناطق المظلمة على الشارع وفي المجتمع، تلك المناطق التي نتحاشى تناولها لأسباب ما، ونحن هنا نتناول تلك البقعة او نميط اللثام عنها ونغور قليلا في عمقها وكان قد سبقنا فيها - بلغة أخرى - كتّاب وسادة آخرون لم يشر لهم. ونحن نؤيد هنا السيد ميري في طرحه بأن جان جنيه ليس بكاتب عبثي اثناء مقارنته بصاموئيل بيكيت ويونسكو في المقال المذكور، وايضا في كتاب السيد مارتن اسلن "مسرح العبث"، حيث يضع فصلا خاصا لجان جنيه وعدّه كاتبا عبثيا، وحيث لا نرى نحن في نصوص جنيه، المسرحية منها على وجه الخصوص، ثيماً في العبث مثلما هي موجودة في نصوص بيكيت ويونسكو وآخرين. لقد خرج جنيه عن المألوف- آنذاك - في بناء النص، حيث ان بعض مسرحياته هي تمثيلية داخل تمثيلية، فيها حدثان ينموان معا، مترابطان و لا يمكن فصل احدهما عن الآخر، بل على العكس، يكمل احدهما الآخر، كما في نصّي " الشرفة" و "الزنوج" على سبيل المثال، ولربما لانه جاء بمثل هذا النوع من الكتابة عُدَّ على مسرح العبث، فعلى سبيل المثال في نص "الشرفة" حيث يختلط هناك حدثان في عمل واحد، وهما حدث الشخصيات في مجيئها إلى بيت الهوى بعد الانتهاء من عملها اليومي وتمثيلها لادوار إدارة المدينة بينما هناك انتفاضة في الشارع- وهو حدث واقعي غير مُمَثل - وهنا يضع جنيه موقف إدارة المدينة المُمَثَلة من الانتفاضة ، وأيضا في رفض الشخصيات في العودة لحياتها الطبيعية بعد الانتهاء من تمثيل الادوار. يستخدم جان جنيه التعقيد والتكثيف الدرامي في كتابة النص، وهي نقطة تُحسب له وفيها مساعدة في الإخراج للامساك بالجو العام والإيقاع أثناء العرض - المخرجون والممثلون يعرفون ذلك - وكان قد استخدم أيضاً الطريقة البسيطة أو التقليدية في الكتابة، تلك الطريقة البعيدة عن التعقيد، كما في نصه "تحت المراقبة". لقد تناول جنيه موضوعة ومفردة الشارع، ليس الشارع العادي المضيء وإنما مفردة الأزقة الخلفية للمدن وما فيها من جريمة وعهر ودعر وسمسرة، حيث أن أبطاله يعيشون على هامش مجتمع المدينة، وقد تناول تلك الشخصيات من رؤيتها هي للأشياء وليس من رؤية المراقب أو الراوي الذي لا يشترك في الحدث، حيث يظن البعض ممن يتلقى نصوص جنيه، بأنه يدافع عن فعل الجريمة. لم يدافع جنيه عن الجريمة بل طرح رؤية القائم بالفعل، فكلٌ منّا يدافع عن فعله بغض النظر في ما إذا كان ذلك الفعل مألوفاً أم لا، طيبا أم لا، محاولا إيجاد المسوغات لقيامه بذلك الفعل، مُستَقرِئ الفعل أحيانا وأحيانا أخرى بلا استقراء، وحيث أن جنيه قد تناول مساحة الشر الموجودة في طبيعة الإنسان، محاولا اسقاط الضوء على تلك المساحة - كما تُسمّى في المسرح هو في الادب، البقعة الضوئية على الحدث، اي ان جعل الحدث الواقع تحت بقعة الضوء هو الحدث الرئيسي من اجل الاهتمام به وتحليله دون الانشغال بالحوادث الجانبية - والاعتراف بوجوده، فمن حيث المتعارف عليه بأننا كلنا طيبون والآخر هو الشرير وكأن العالم يسبح في الفردوس، فطرح جنيه في رؤيته ليقول بان العالم ليس فردوسنا الموعود، وهنا ليس رفضا او تشكيكا بقيم النسيج الاجتماعي ولكن هي اسقاط الضوء على لبنات طبيعة التفكير الانساني وان طرحه تناول ازمة الوجود المجتمعي وليس ازمة الوجود للفرد كما في نصه "تحت المراقبة"، حيث يتعامل "عين خضراء"، الشخصية الرئيسية في النص، ببساطة وتلقائية مع الشيطان من اجل خلاصه الذي يؤمن به هو. لقد استخدم جنيه اللغة والمفردة البسيطة المُتناولة في الشارع اليومي، لأن معظم شخصياته قد عاشت المفردات اليومية للشارع، مثلما عاشها الكاتب نفسه، ومنها الحدث اليومي البسيط الذي تُبنى عليه قيم واخلاق مجتمع ما، مثل موضوعة المثلية والاستغلال الجنسي، فهو لم يدافع عما لا يؤمن به التكوين الاجتماعي، فعلى سبيل المثال يذكر في لقائه الصحفي المزدوج مع هوبرت فخته لصحفتي "دي تسايت" الألمانية و"ليبراسيون" الفرنسية حيث يعلّق فخته في الحوار فيقول:" إن قضية جنيه في هامبورغ، قد مهدت الطريق لظهور موضة ملابس الإغراء، مثل "برونكس" في باريس و" انفيل" في نيويورك". فيجيب جنيه :" إنني لا أتوافق معكم فيما تقولون، وأول ما يجب أن يتعامل معه بحذر هو هذه الأشياء، إن ما كتبته أثّر بالتحرير من تلك الظواهر التي ذكرتموها، لكنه لم ينادِ بها"، حيث تناول جنيه موضوعة الشارع من عين مفردة الحدث وليس من عين المصور، فاللغة والموضوعة هنا وجود يومي وبسيط وقد تناولها الكثير من الكتّاب والأدباء من رؤية المصور أو الراوي للحدث وليس من منظور المشاركين فيه كما هي الحال عند جنيه. وتكتب عنه جريدة "دير تاكه شبيغل" الألمانية مقالة بعنوان "ملتهم الأجساد" بتاريخ 9 15 / 1
عن جان جنيه
نشر في: 29 يونيو, 2012: 11:22 ص