أحمد عبد الحسين في مثل هذا اليوم من العام الماضي قامت قواتنا الباسلة بعملية بطولية حين اعتقلتْ أربعة شبّان كانوا يتظاهرون سلمياً في ساحة التحرير، هم كلّ من: مؤيد الطيّب، علي الجاف، أحمد البغدادي وجهاد جليل. ولم تكن البطولة في الاعتقال نفسه، فالاعتقالات كانت قائمة على قدم وساق، لكنّ بسالة من قام باعتقالهم تمثلتْ بالطريقة المبتكرة: وضعوهم ـ بعد أن عصبوا أعينهم ـ في سيّارة إسعاف، ثم وبعد أيام من الاعتقال لم يجدوا ما يدينونهم به فدسّوا لهم هويّات مزوّرة وأرادوا محاكمتهم بتهمة تزوير وثائق رسميّة.
لا أعرف كيف مرّ الأمر وقتها بشكل عابر. كان علينا أن نسجّل هذا الفعل براءة اختراع للحكومة، فربما هي المرة الأولى في تأريخ العراق تقوم فيها الحكومة بتزوير وثائق رسميّة لتوريط مواطنيها، أم لعلّ الأمر حدث كثيراً ولا ندري؟ لعلّ هناك أناساً هم الآن في السجن بسبب تزوير وثيقة كان مزوّرها الحقيقيّ الحكومة الموقّرة.في ما مضى، في الزمن الغابر، كان من يريد خداع الحكومة والنفاذ بجلده يضطر إلى تزوير هويّة بغير اسمه لينجو، سوق مريدي الشهير كان موئلاً للمزوّرين الذين كنا نرى أنهم يقومون بفعل بطوليّ لأنهم يسهمون في نجاة معارضين لصدام أو الحفاظ على حياة من لا يريد أن يشارك في حروبه العبثية.انتهى الزمن الغابر وجاء زمن أغبر، انتقل التزوير من سوق مريدي إلى المنطقة الخضراء، صارت الحكومة نفسها بجلالة قدرها تباشر عمل تزوير الهويّات، لا لأجل الحفاظ على مواطنيها بل لتوريطهم. والآن صرنا نعرف أين ذهب أولئك المزوّرون الذين كنا نعتبرهم معارضين، كما نعرف أين ذهب أولئك المعارضون القدامى الذين أصبحوا اليوم مزوري شهادات ومزوّري ضمائر في حكومة ضربها تسونامي التزوير فصارت تزوّر هويّات لتشويه سمعة متظاهرين شبّان هم من خيرة أبناء العراق.اعتقال الشبّان الأربعة، وقبله اعتقال أربعة آخرين هم الشهيد :هادي المهدي، علي السومري، علي عبد السادة وحسام السراي، وقائع لا يجب أن تنسى ببساطة، على الجميع أن يوثق هذا بتفاصيله، لأنّ يوماً قادماً لا محالة سنحتاج إلى هذا التدوين لمحاكمة مجرمين استهتروا بحياة الناس.لنقم بفعل ضدّ التزوير. لنجمع الحقائق، نسرد القصة كاملة، أشخاصها موجودون وشهودها، يجب ألا نؤكد صورتنا التي يعرفها العالم عنا باعتبارنا شعبٌ نسّاء، ننسى ما يحيق بنا بسرعة. لتكن لنا ذاكرة قويّة، لأن الحكومة التي تزوّر الهويّات للمواطنين لتوريطهم، والشهادات العليا لأعضائها، ستزوّر التأريخ حتماً.في مثل هذه الأيام كانت الحكومة بكامل جبروتها ضعيفة هشة أمام شبّان بأجساد غضة وأرواح نيّرة، فلم تجد مفراً من أن تلجأ للتزوير شأنها شأن حكومة سوق مريدي أيام زمان!
قرطاس :حكومة سوق مريدي
نشر في: 29 يونيو, 2012: 03:40 م