د. علي كاظم الرفيعي بدءاً وقبل مناقشة بنود الوثيقة الصادرة عن مؤتمر أربيل الأول (2012) لابد من أن نشير إلى أنّ إطلاق وصف ( اتفاقية) على الوثيقة غير دقيق ذلك أن " الاتفاقية " كمصطلح قانوني لها مفهوم محدد في أدبيات القانون الدولي العام ينصرف إلى الاتفاق الذي يعقد بين أشخاص هذا القانون وهي الدول والمنظمات الدولية وليس الأشخاص الذين يمثلون كيانات أو أحزابا سياسية على المستوى الداخلي لكل دولة ،لذلك فإن الأصح إطلاق وصف (اتفاق) بدلاً من ( اتفاقية) عليها.
ما تضمنته الوثيقة الصادرة عن اتفاق أربيل يعكس رؤية الأحزاب السياسية التي شاركت في الاجتماع لما ينبغي أن تقوم عليه العملية السياسية في العراق. إذ تضمن الاتفاق محاور عديدة تتعلق بالجانب السياسي والإداري والمالي والتشريعات المطلوبة وتفعيل الدور الرقابي على مؤسسات الدولة.إن معظم هذه المحاور جاءت منسجمة مع الدستور وتعكس طروحات وطنية يتفق عليها أغلب العراقيين من أحزاب مشاركة في السلطة حاليا وخارجها ولكن للأسف الشديد ما تضمنه المحور السادس من الاتفاق تحت عنوان (تحقيق التوازن الوطني) كان مخيباً للآمال المعلقة على اجتماع أربيل ،إذ عكست بنود هذا المحور العقلية والروح النفعية للأحزاب المشاركة في الحكومة التي تشكلت في النصف الثاني من عام 2010 والتي أطلق عليها المشاركون فيها وصف "حكومة التوافق " أو " حكومة الشراكة الوطنية" والتي لم تحقق برنامجها السياسي والاجتماعي بسبب فشل الأحزاب المشاركة فيها وليس حزباً واحداً بعينه ،إذ استمرت المماحكات والاتهامات في ما بينهما ومحاولة كل منها إسقاط الآخر مما خلق حالة من التذمر واليأس لدى المواطن العراقي الذي لم يلمس تحسناً أو تقدماً على صعيد الواقع في الخدمات المقدمة من أجهزة الدولة وانتشار الفساد المالي والأدبي وارتفاع نسبة البطالة.ظل اجتماع أربيل محاطاً بالسرية ولم تنشر الوثيقة الصادرة عنه إلا مؤخراً بعد مطالبة الجميع بنشرها ولا نعلم السر في تأخر نشرها. ما دفعنا إلى كتابة هذا المقال هو ما ورد في الاتفاق بشأن التوازن في المناصب القيادية في الدولة والدعوة إلى شرعنه هذا التوازن بقانون يسن من قبل مجلس النواب يتضمن توزيع المناصب القيادية في الدولة والدعوة إلى شرعنه هذا التوازن بقانون يسن من قبل مجلس النواب يتضمن توزيع المناصب القيادية في الدولة والتي تلي الوزير وهي :وكلاء الوزاراتالسفراءالهيئات والمفوضية المستقلةالمدراء العامون فما فوق ما يقابله من قيادة فرق.لم يوضح اتفاق أربيل المعايير والآلية التي ستعتمد هذا التوازن الأمر الذي يبدو واضحاً انه سيكون مرهوناً بالمساومات كما اعتاد العراقيون مشاهدته منذ التغيير ولحد الآن. إن دوافع الحال منذ عام 2003 تؤشر منهج المحاصصة الطائفية والإثنية الذي تتبعه الأحزاب المشاركة في السلطة في اختيار وزرائها والمستويات الأدنى في الهرم الإداري. ويبدو أن قانون التوازن الذي طالب المؤتمر في أربيل بسنه من قبل مجلس النواب يراد له أن يقوم على نفس النهج وهو ما سيؤدي إلى انتشار وباء الطائفية والنفعية حتى في أصغر حلقات الوظيفة العامة في الدولة طالما أنها تعتمد المحاباة وشراء الولاء من الآخرين.نعم لا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذا التقسيم الطائفي والإثني – وليس التوازن – في المناصب الملحّة في جسم الدولة حالياً وهو أمر يؤسف له ،ولكن الخطورة كل الخطورة تكمن في التوجه إلى شرعنتها من خلال قانون خاص بها. إذا كان أحد الأحزاب السياسية هو المستحوذ على أهم المواقع خصوصاً في الوزارات والأجهزة الأمنية كما ترى الأحزاب الأخرى فإن علاج هذا الأمر لا يكون من خلال روحية رد الفعل بارتكاب خطأ أشد ،ونقصد بذلك شرعنة هذا التصرف الذي سيؤدي إلى نخر جسم الدولة بالمحسوبية والفساد.التوازن هو عنوان للتفرقة ،فحيثما يتم الحديث عن نسب مكونات الشعب العراقي في هرم الدولة ، إنما ذلك فيه تكريس للتفرقة وخروج فاضح عن احترام حقوق الإنسان ومبادئ المساواة وتكافؤ الفرص التي كفلها دستور العراق بالمواد (14 و 16) ،والمفروض أن يكون حق المواطنة في المقام الأول ولا شيء يعلو عليه، حق المواطنة والهوية العراقية هو الأساس والموجّه للعملية السياسية. ما نصيب العراقيين من المكونات الدينية الصغيرة في العراق ؟ ما نصيب العراقيين من غير المنتمين للأحزاب المتنفذة في السلطة والتي تتسم بطابع الطائفية والمذهب الديني والقومي؟ ما نصيب العراقيين من غير الملتزمين دينياً على سبيل الافتراض ؟ إن المعايير السليمة في استغلال المواقع والوظائف في الدولة ينبغي أن تتم على أساس الخبرة والكفاءة والتحصيل العلمي بغض النظر عن الانتماء إلى الطائفية أو المذهب الديني أو القومي . التوازن ينبغي أن يتحقق في الوزارات التي تصدر عن مراكز عديدة في الدولة الاتحادية، ينبغي أن يتحقق التوازن في المشاريع التي تخص إقليم كردستان والمحافظات على أسس علمية واقتصادية مدروسة. التوازن يتطلب تشريع القوانين التي تصب في هذا الاتجاه ونذكر على سبيل المثال تشريع قانون مجلس الاتحاد ليكون هيئة تشريعية أخرى إلى جانب مجلس النواب .جميل جداً أن يشير اتفاق أربيل إلى اعتماد مبدأ الكفاءة والمهنية في العمل وأن يشير إلى ضرورة الإسراع في تشكيل هيئة مجلس الخدمة العامة الاتحادية الذي سيتولى إدارة الوظيفة العامة في البلاد
رأي في المحور السادس من اتفاق أربيل
نشر في: 29 يونيو, 2012: 03:50 م