طارق الجبوري لظروف وأسباب كثيرة كان متوقعاً أن يشهد عراق ما بعد 2003 تداخلات وتناقضات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة، تلقي بظلالها على عملية البناء الجديد على وفق النهج الديمقراطي واحترام كرامة وحقوق الفرد وحرياته.. وكان واضحاً أن عملية التحول هذه تحتاج قبل كل شيء إلى قناعة وإيمان القائمين عليها. وتخبرنا تجاربنا المريرة في محيطنا العربي إلى أنّ الديمقراطية ليست قوانين وشعارات، بل هي ثقافة مجتمعية تبعد عن الفرد شبح الخوف وعندئذ يمكن أن يشعر بالأمان والثقة بجدوى هذا الزائر الجديد وبحقه في حياة حرة كريمة.
فما الذي تحقق من كل ذلك على أرض الواقع ؟ وهل نجحت القوى السياسية بإعطاء العراقي ما يستحقه من أمان وحرية ليعبّر عن رأيه ويمارس حياته دون خوف لازمه طوال عهود مضت؟! وكيف يمكن تقييم ما حصل بعد هذه السنوات التي تجاوزت التسع؟ ومن الذي يتحمل مسؤولية كل هذا؟! هذه أسئلة مشروعة تشغل بال عدد غير قليل من العراقيين في الجنوب والوسط ،بل حتى في إقليم كردستان ولكن بمستويات أقل ، أسئلة واقعية لن يكون من الصعب الإجابة عليها من أولي الحل والعقد من الشركاء الغرماء، لكنا سنحاول أن نمر عليها من خلال نموذج واحد من بين عشرات النماذج التي تمر بنا يومياً ولا تحتاج إلى كثير شرح لنستدل على مستوى ما أوصلتنا إليه أطراف العملية السياسية من مأزق. فقبل أيام التقيت بجار قارب عمره الأربعين يسكن مع والدته المكلومة بإعدام ولدها وهو في ريعان شبابه بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي العراقي إبان النظام السابق فقال رغم أننا كرمنا كعائلة شهيد مادياً لكني بصراحة أعيش حالة صدمة لما يجري في العراق حتى أن والدتي نصحتني بأن أمزق ما لديّ من مواضيع عن الحزب الشيوعي لأنها تخاف أن تتوهم الأجهزة الأمنية وتعدها منشورات معادية وقالت " الطايح رايح في هذا الوقت " ونحن ليس لنا نفوذ حتى في السلطة!مثل هذه الصورة لاتحتاج إلى كثير تعليق،فهي توضّح مستوى فشل القوى السياسية في نفس الوقت الذي تدلل فيه على مستوى القناعة الشعبية بسيادة القانون ومبادئ الديمقراطية التي عطّلت وتشوهت معانيها في ظل انتهاكات حقوق الإنسان التي حذّرت منها في أكثر من مناسبة منظمات دولية متخصصة.أخيراً و في ضوء ما نعيشه من أزمة كبيرة، لا يريد البعض أن يعترف بخطورتها ويصر على الترويج لمفاهيم ومصطلحات تربط كل مصير العراق ووحدته وأمنه ونهضته بفرد، نعتقد أن المراجعة النقدية الجريئة للذات -إذا صح التعبير- أول خطوة باتجاه الحل الذي ما زالت فرصته سانحة..لا نريد هنا أن نكون واعظين أو منحازين لجهة دون أخرى غير أن واقع الحال يشير إلى ضرورة التوصل إلى معالجة سريعة بحسب ما أشار إلى ذلك رئيس الجمهورية جلال طالباني وهذا لا يتحقق دون أن نقر بمبدأ التداول السلمي للسلطة وأن نعتبر ذلك وسيلة لخدمة الشعب وليس غاية نلهث وراءها.
كردستانيات:أسئلة بلا أجوبة!
نشر في: 29 يونيو, 2012: 04:27 م