عدنان حسين مع انني وصفت (أمس) ما حدث في المؤتمر الصحفي لمديرية شرطة بغداد يوم الأحد الماضي "فضيحة بجلاجل الى أن يثبت العكس"، لم يسعدني أبداً قرار رئيس الوزراء باعادة التحقيق في قضية عضو مجلس محافظة بغداد ليث مصطفى الدليمي وعدد ممن اتهموا بالارهاب، فالقرار كان مؤشراً آخر على نفوذ السلطة التنفيذية الطاغي وهامشية نفوذ السلطة القضائية.
القرار الصحيح الذي كان على رئيس الوزراء أن يتخذه، وعليه أن يتخذه الآن، هو منع القوات المسلحة (الشرطة والجيش) وأجهزة الأمن من أخذ القانون بأيديها والعمل نيابة عن القضاء، وفي هذا الإطار كان عليه أن يُصدر قراراً واضحاً بالتوقف عن "التقليد البعثي البغيض" ببث "اعترافات" المتهمين أمام وسائل الإعلام، وترك الأمر برمته الى القضاء.منذ أربعة أشهر كتبت في هذا العمود (19 كانون الثاني الماضي) تعليقاً بعنوان: "حكومتنا والتقليد البعثي البغيض" أعيد هنا نشره لأنني أجده أنسب تعليق على قرار رئيس الوزراء الأخير.قلت في ذلك التعليق:تتمسك حكومتنا الميمونة بتصرفات تعوزها الشرعية والأخلاقية. وهي تصرّ عليها بعناد عجيب وغريب برغم الاعتراضات والانتقادات من محافل سياسية وإعلامية، كما لو أن الحكومة مصابة بالطرش والعمى في آن حيال هذه الاعتراضات والانتقادات.من هذه التصرفات الاعتقال العشوائي والتعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين، وهما مما يحرّمه تحريماً صريحاً الدستور الذي استفتي عليه الشعب قبل ست سنوات، وكذلك عرض "اعترافات" متهمين على التلفزيون، وهو ما لم ينص عليه أي قانون نافذ فضلاً عن أنه عمل غير أخلاقي.الحكومة تؤكد دائماً على لسان كبار مسؤوليها أن القضاء في بلادنا مستقل وأن استقلاليته محترمة ومضمونة من جانب السلطة التنفيذية، بيد أن هذه الحكومة تناقض نفسها بنفسها إذ تتجاوز على صلاحيات السلطة القضائية باعتقال الناس من دون تصاريح قضائية كما حصل في مرات عديدة منذ نحو سنة حتى الآن مع نشطاء التظاهرات السلمية على سبيل المثال، وبعرض "الاعترافات" من دون أي سند قانوني أو قرار من السلطة القضائية.الاعترافات المتلفزة بالذات، كما الاعتقالات العشوائية وإساءة معاملة المعتقلين، عمل غير أخلاقي تماماً، وهو يعكس شعور الحكومة بعدم ثقة الرأي العام بسلامة إجراءاتها وباستقلال السلطة القضائية. فلو كانت الحكومة واثقة من أن الشعب على قناعة باستقلال القضاء ما احتاجت إلى عرض الاعترافات تلفزيونياً.في البلدان الديمقراطية التي تتمتع فيها السلطة القضائية بالاستقلال الحقيقي لا الشكلي، لا تعرض السلطات الحكومية اعترافات المتهمين أو المدانين حتى لو كان الأمر يتعلق بقضايا الإرهاب والأعمال المهددة للأمن الوطني، وإنما يتولى القضاء عرض نتائج التحقيق والمقاضاة بعد الانتهاء من الإجراءات التحقيقية والقضائية التي تتضمن تمكين المتهمين من توكيل محامي دفاع عنهم، فالمبدأ الثابت والمحترم في بلاد الديمقراطية الحقيقية ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذه الإدانة لا تقررها أجهزة السلطة التنفيذية وإنما السلطة القضائية. يجب أن تُدرك الحكومة أن عرض الاعترافات، عدا عن كونه عملاً غير قانوني وغير أخلاقي، لا يكرّس الثقة بها وبإجراءاتها، بل يعصف بها تماماً، فمما يثبّت هذه الثقة هو ضمان الاستقلال الكامل للسلطة القضائية وتركها تعمل وتقرر بحرية غير منقوصة.عندما يكون الشعب واثقاً بحكومته وبسلطته القضائية، كما هي الحال في بلدان الديمقراطية الحقيقة، لا يحتاج إلى عرض الاعترافات لإقناعه بصحة وسلامة الإجراءات الحكومية والقضائية.الاعترافات المتلفزة تقليد بغيض بدأه نظام البعث الأول بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي وواصله نظام البعث الثاني بقيادة صدام حسين. أفلا تجد حكومتنا غضاضة في السير على ذلك الدرب القذر؟ وكيف لنا أن نؤسس لنظام ديمقراطي في ظل التجاوز على القانون والأخلاق؟إذا كانت الحكومة تحترم نفسها وتحترم من انتخبوها فلتُلزم أجهزتها ومؤسساتها بالكفّ عن كل الممارسات الخارجة على القانون والأخلاق.
شناشيل :تعليق قديم على قرار جديد لرئيس الحكومة!
نشر في: 29 يونيو, 2012: 05:03 م