احمد المهنا الكهرباء في العراق لغز لا يقبل الحل. وكل من يحاول "القاء الضوء" عليه يزيده غموضا. وكان آخر ما قرأته بهذا الخصوص مقالة للسيد عادل عبد المهدي النائب السابق لرئيس الجمهورية. وهو رجل مسؤول لم يعرف عنه القاء الكلام على عواهنه. وقد ذكر معلومات مهمة خلاصتها الآتي: مجموع النفقات الاستثمارية على الكهرباء في سبع سنوات (2006 – 2011 )، مع الانتاج الموجود عام 2005، كان يجب أن يرفع الانتاج الى 18561 ميغاواط على الأقل هذا العام. وبما ان حجم طلب هذا العام، 2012،هو 17 الف ميغاواط، فالمفروض ان تكون الكهرباء عندنا الآن مولعة وليست فقط منورة.
عام 2005، والأرقام كلها هنا على ذمة عبد المهدي، كان انتاجنا من الكهرباء 3561 ميغاواط. خلال 7 أعوام من 2006 الى 2011 ، بلغ مجموع النفقات الاستثمارية 20315 ترليون دينار. وكان بامكان هذا المبلغ انتاج بين 15 ألف - 20 ألف ميغاواط، ولكن الذي ازداد هو فقط 1337ميغاواط! لماذا؟ الرجل لا يشرح ولا يفسر. وانما فقط ينصح المسؤولين بتجنب اعطاء الوعود دون أساس، حرصا على المصداقية. وأظنه يقصد وزير الكهرباء الذي رأيته وسمعته من على الشاشة الفضية وهو يقول أن الأزمة محلولة نهاية عام 2013!وها أنتم ترون أن هذه الأرقام، على جلالة قدرها، أيضا لم تحل اللغز. كما أن عبد المهدي، على رفعة مناصبه الحكومية والحزبية، لم يأخذ بأيدينا على طريق حل اللغز. وكل ما فعله هو عرض حالي الإنفاق الهائل والنتائج المتواضعة. وما هو معروف، حسيا من خلال المعاناة المريرة، ترجم الى أرقام. المعرفة الحسية أصبحت علمية معا. من المسؤول عن حل اللغز، أو عن معرفة أسباب هذا "التقصير"؟ الشعب ومؤسسات الدولة مثل القضاء والبرلمان، أخذا في الاعتبار اليأس من الحكومة المجربة 7 سنوات عجاف. البرلمان "تَرِك" هو الآخر، لأنه لا حول له على مراقبة ولا قوة على محاسبة. أما القضاء العراقي فقد عرف بحل معضلات سياسية كبرى، مثل قضية "الكتلة الانتخابية الأكثر عددا"، أو ما اذا كانت "المؤسسات المستقلة" تخضع لاشراف البرلمان أو الحكومة. ولا أتصور أنه سيعجز عن أكتشاف لغز الكهرباء، خصوصا مع أيدي المحققين الطويلة، اذا ما تقدم مواطن بشكوى على الحكومة، يطلب فيها مساءلتها ومعاقبتها على المفارقة بين إنفاق هائل في أموال الشعب، مقابل نتائج حارقة "لجلد" الشعب! وفي النتيجة لابد أن يقوى الشعب يوما، بالقضاء أو القدر، على حل اللغز، والمشكلة من أساسها. أو ربما يحل المشكلة و"يفلت" منه اللغز. والمشكلة سهلة. حقا سهلة طالما هناك مال. فمثلا استطاعت الكويت في سبعة شهور حل مشكلة ضخمة مثل الاحتلال. اشترت القوة الحربية القادرة على تحريرها وقبضت الاستقلال. والعالم الذي يجعل شراء "القوى الحربية" العظمى ميسورا، لا يمكن أن يجعل شراء "القوى الكهربائية" العظمى معسورا. إن الشركات العملاقة أكثر لهفة منا أنفسنا على كهربة البلد. فهذا شغلها وهذا رزقها. وليس هناك ما هو أعظم رزقا من اعادة بناء شبكة كهرباء وطنية مدمرة في بلد بحجم العراق.وسيأتي حتما يوم تحل فيه الأزمة. ولكن حتى يحين ذلك اليوم وبعده سيبقى لغز المال والزمن المهدورين محيرا ومخجلا.
أحاديث شفوية :اللغز المحير والمخجل
نشر في: 29 يونيو, 2012: 05:06 م