أوس عزالدين المانع عانت أغلب شرائح المجتمع العراقي وطيلة عقود طويلة من ممارسات سياسية صارمة دفعت بها من خلال منهج مدروس إلى اللجوء إلى ما يمكن أن نطلق عليه بـ(( دوائر الهوامش )) .وبمعنى آخر ، إن سياسة جعل مقدرات الدولة تحت إمرة جماعة سياسية أو اجتماعية أو دينية ما ، سيتجه حتما بالجماعات الأكثر تضررا من هذه السياسة اللاإنسانية إلى البحث عن طرق من شأنها التعويض عما لحق بها من خسارات مادية أو معنوية ، سواء كانت تلك الخسارات على شكل كبت ديني أو حرمان من المشاركة السياسية والوجاهة الاجتماعية ،
فإن المتضررين من هؤلاء وأولئك سيلجأون طبعا إلى الانضواء تحت أطر تنظيمية بعينها مثل المافيا الاقتصادية أو الحزب المعارض أو اللافتات الدينية أو المذهبية وغيرها.وهكذا ، فقد شهدت الساحة الاجتماعية تحديات كبيرة وكثيرة ، وتعرضت الصورة العامة لوجه المجتمع العراقي إلى انكسارات حادة لاتزال تفعل فعلها التخريبي في تشويه منظر التعدد الديني والعرقي والذي كان مؤملا خصبا في رفد حضارة هذا البلد العريق .أما بعد تغيير النظام السياسي الحاكم وابتداء من 4/9/2003 فقد اختلفت الصورة السياسية العامة ظاهريا إلى حد بعيد ، إلا إن ثمة شيئا مهما في باطن الأحداث لم يزل واضحا وإن اتخذ مسارا للحركة يختلف عما كان عليه سابقا ، وبمعنى أكثر وضوحا ، فإن القاسم المشترك الذي يمكن رصده واقعيا بين النظام الدكتاتوري السابق والنظام الديمقراطي التوافقي الحالي يتجسد في تشبث ساسة العهد الجديد بسياسات إحلال مبدأ الهويات الفرعية محل الهوية الرئيسية الأم ، والعمل على ترسيخ مفاهيم تلك السياسات قولا وفعلا ، وانسياقا مع خط الدولة العام الذي سار باتجاه التوفيق فيما بين ما سمي بالمكونات الاجتماعية تحت أسلوب انتهاج ديمقراطية توافقية ليس لها من مفهوم التراضي والوفاق إلا الشكل الظاهري فحسب ، إذ إن غاية إرضاء جميع الفرقاء لاتتوفر على نحو تام أو شبه تام مهما رضخ البعض منهم إلى منطق التنازلات ، وخاصة إذا ما توفرت لأولئك المختلفين فرص سياسية تحسن فن الابتزاز بمطالب تراها هي مشروعة ويراها البعض الآخر إنها ليست كذلك .وليس للمواطن إلا أن يصل إلى المزيد من الحقائق والتي تدعم فرضية تبني ذلك النوع من الديمقراطية والقائمة على أساس إرضاء جميع الخصوم مهما كان متفائلا بمستقبل الأيام ، وتجاهل الخوض في ملفات قضايا المحاصصة والتي باتت تخلق لها المصاديق في الواقع العراقي الحالي ، كما هو الحال مع آخر الأخبار السياسية ، والتي ما برحت تطلعنا بمستجدات موضوع الأقليات العراقية كالشبك والأيزيديين وربما غيرهم عما قريب .وأخيرا نستطيع أن نخلص من كل ما تقدم ذكره ، إلى إن الديمقراطية التوافقية وبالمعنى العملي المتداول في الساحة السياسية العراقية ، ومنذ أكثر من ثمانية أعوام تنطوي على مغالطة واضحة تحيل المشروع الديمقراطي ، والذي يعني من جملة مايعني ، حكم الشعب نفسه بنفسه إلى شيء أقرب إلى أحكام الصلح السائدة في بعض الأعراف العشائرية.
الديمقراطية الجديدة ومستقبل العراق
نشر في: 29 يونيو, 2012: 06:01 م