حازم مبيضين ليس مفهوماً لماذا لم تكن موسكو هي المحطة الثانية بعد دمشق, في جولة المبعوث الأممي كوفي عنان, والتي أتت بعد مجزرة الحولة, التي ذهب ضحيتها أكثر من 120 مواطناً, بينهم عدد من الأطفال, فالمؤكد أن العواصم التي يزورها, على أهميتها, لا تملك قراراً يمكن إلزام أي من طرفي الصراع بتطبيقه, صحيح أنه قد يسمع فيها وجهات نظر وآراء تساعده في تطبيق بنود مبادرته, لكن الأكثر أهميةً هو الدور الروسي, الذي استمر حتى اللحظة في دعم النظام السوري, وأمن له حماية من أي تحرك دولي ضده, عبر اللجوء إلى الفيتو, كلما حاول مجلس الأمن التوافق على أمر, يرفضه النظام السوري ولا يقبل بتطبيقه.
نفترض أن الدبلوماسي العريق, يمتلك ما يكفي من الخبرة والدراية, ليعلم أن موسكو هي الوحيدة, القادرة على التحدث بمنتهى الصراحة مع الرئيس الأسد, وأنها بالإضافة لذلك لا تعدم خطوط اتصال بمعارضيه, وبينهم العديد من اليساريين, الذين زاروها أكثر من مرة, دون أن يتمكنوا من تغيير موقفها تجاه دمشق, وهي الوحيدة القادرة على الضغط بالاتجاهين, أي الحكومة والمعارضة, وأن مصالحها وليس المبادئ, هي ما يدفعها لتبني هذا الموقف, المضاد لموقف المجتمع الدولي, وأن تبنيها لوجهة نظر النظام السوري, إزاء كل تطور على الأرض, ليس أكثر من مناكفة لمن يقف ضده من دول العالم, ولا يعبر عن حقيقة معرفتها بتفاصيل الأحداث في بلد بات نقطة الارتكاز الأخيرة لروسيا في هذه المنطقة من العالم.يبدو بديهياً أن على عنان التحرك على خلفية أن لروسيا مصالح عميقة الجذور, وشديدة الأهمية في بلاد الشام, وأنها بعد استيعابها لما حصل في ليبيا, مستعدة للمناورة طويلاً, للحفاظ على تلك المصالح, وضمان استمرارها, إما بالاستمرار في دعم نظام الأسد, وعدم السماح بسقوطه, وهو القادر على حفظ تلك المصالح, أو بضمانها عند بديله, الذي ينبغي بحسب الفهم الروسي, أن لاينتمي إلى الاسلام السياسي, خشية تأثير ذلك على الجمهوريات الروسية, التي يعتنق مواطنوها الإسلام, والمستعدون لاغتنام أي فرصة للتمرد على سلطة موسكو, المستمرة منذ أيام الاتحاد السوفييتي الملحد, إلى روسيا الاتحادية المسيحية بامتياز.إلا إن كان لما يسمى المجتمع الدولي, مصلحة في استمرار دورة العنف الدموي في سوريا, أو المرور باستحقاقات, تنتظر نتائجها عواصم دول ذلك المجتمع, كالانتخابات الرئاسية في أميركا, فإن الأزمة السورية بحاجة إلى حسم سريع, بعد أن انزلقت البلاد إلى حرب أهلية, على خلفيات طائفية, لعل من تجلياتها مجزرة الحولة, والكثير من شبيهاتها التي لا تزال طي الكتمان, وليس مهماً عند محبي سورية وشعبها, لمصلحة من سيكون ذلك الحسم, فالمهم أن تستعيد البلاد أمنها وأمان شعبها, وتحافظ على وحدتها, مع ضرورة الانتباه إلى أن المجتمع السوري ليس أكثر من موزاييك يضم حوالي العشرين لوناً من الطوائف والقوميات.ثمة حديث عن توجه غربي يسعى لتكرار التجربة اليمنية في سوريا, التي لم تكن لتنجح لولا النفوذ السعودي على صالح ومعارضيه, وهو نفوذ يشبه ما لموسكو على دمشق, وإن كنا نعلم يقيناً, أن الأسد يرفض الفكرة من حيث المبدأ, مثلما يرفض القياس, فإننا نذكر أن علي عبد الله صالح ما زال يرفض الفكرة حتى اليوم, لكن الظروف فرضت عليه وعلى معارضيه قبولها, وبذلك خرجت البلاد بأقل قدر من الخسائر, استمر النظام ليتطور إلى ما يريده الشعب, ولم تعم الفوضى كما هو حاصل في ليبيا, أو كما حصل في العراق, أو كما هي مرشحة لذلك مصر. وبعد, العنوان الرئيس الذي يتوجب على عنان التوجه إليه, هو موسكو, إن كان يبحث جدياً عن حل للأزمة السورية, قبل أن تتفاقم وتنشر شررها في كل المنطقة.
في الحدث:موسكو هي العنوان
نشر في: 29 يونيو, 2012: 06:42 م