TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > إلى حسين عبد اللطيف..مع أشعار ترانسترومر

إلى حسين عبد اللطيف..مع أشعار ترانسترومر

نشر في: 29 يونيو, 2012: 06:56 م

محمد خضير عزيزي حسين:اقتنيتُ نسخة ــ دار الجمل ــ من المجموعة الكاملة لأشعار الشاعر السويدي توماس ترانسترومر (الفائز بجائزة نوبل للآداب 2012) لأهديها إليك، وخلال مدة احتفاظي بها قرأتُ قصائد المجموعة، فتعلّقَ قلبي بها، حتى امتدّتْ يدُ (الأمل) وانتزعتها مني:"ثمة من يحتاجها أكثر منك". فهاكها مع نياط قلبي!
   في الغابة، حيث العزلة والصوت المفقود، نشعر عميقاً بوجود (الأمل). الصخر المنحوت، الشجر القديم، الطحالب، الدروب المضللة، الضوء الشحيح، كلها ممرات إلى (الأمل). أنتَ طريح الفراش، مثل ترانسترومر، ضالّ الغابة، في أمسّ الحاجة إلى (أمل) الغابة.   سفينة تقترب بركابها ليلاً من ساحل جزيرة، راكب وحيد يهبط منها ويتجه في وسط الظلام إلى كوخ مهجور، يستلقي على ظهره فوق الفراش، يسمع صوتاً يضرب الجدار الحاجز، يطلب العودة من العالم الآخر، ولا جواب على طلبه. لكن صباح الغابة يأتي بغصن أسمر بورقات ذهبية، جذر يزحف، صخور لها وجوه، الغابة ملأى بكائنات وحشية بلا قيود، هذا هو موضوع قصيدة (بداية رواية لليلة في نهاية الخريف، ص 234). إنها قصيدة (الأمل)، أمل العودة من العالم الآخر.    قصيدة أخرى تتحدث عن أرشيف لا يهرم (ص 232) يحوي في أحشائه الأسماء الشائخة والميتة، لكن الأرشيف نفسه يظل شاباً لا يهرم ولا يموت. هاجر أحبّاء لنا إلى بلاد السويد، ودخلوا هذا الأرشيف، حتى بعد أن تحولوا إلى تماثيل ثلج. بموجب قانون هذا الأرشيف تتساوى الكائنات جميعها (الإنسان والخنفساء على حدّ سواء) بحق البقاء في الغابة، أو الخروج من ظلمتها إلى ضوء النهار. نهتدي بهذا القانون، كما اهتدى أحبابنا الراحلون الذين دخلوا أرشيف الشاعر السويدي قبلنا، ولم يرجع إلينا أحد منهم.    الطبيعة الأم تعلمنا الاقتداء بقانون الأرشيف السويدي (شعرك أيضاً جزء من هذا القانون). ألم تلحظ فقر الشعر (فقر الأدب بأنواعه) عندما تخلّى عن هذا القانون؟ أين حبّ الآخر حين يفتقر شعرنا إلى حبّ الطبيعة؟ ما (العالم الآخر) الذي يبعث إلينا بأصواته الخافتة، إن لم يكن عالم الأسماء التي سقطت كأوراق الشجر في صبيحة خريف؟ الأسماء التي يحتويها أرشيف الشعر؟ الشعر خالد بهذه الديمومة الطبيعية، حين تقدم أصواته من وراء الحاجز الطبيعي للعالم الآخر، أليس الشعر رحلة إلى ما وراء الطبيعة أو قدوم من هناك، في حقيقة وجوده الطبيعي؟    إنْ بقي شعرُ ترانسترومر حياً، فذاك لقدومه من وراء الحدّ القائم بين العلم الطبيعي والتفلسف ما وراء الطبيعي، حسب قراءة أدونيس في مقدمة المجموعة. إن الطبيعة بحد ذاتها علم، يستطيع الشعر زحزحة حدوده وإضفاء الملموسية الجمالية على خواصه المجردة. لا أمتع للشاعر من تفتيت مجرة كوكبية هائلة الحجم، أو إبصار جسيم ميكروي تحت مستوى الشعر. الرحلة إلى الأرخبيل المطلق مشروع يشترك فيه الشعر مع الطبيعة، التفكر والتأمل في (علمية) الشعر. أما شعورنا بصعوبة إتمام هذه الرحلة فسببه التدافع اللغوي (المترجم هنا في المجموعة الكاملة) بين حقائق الطبيعة وحقائق الشعر ما وراء الطبيعية.    ستدرك أنت بنفسك ما تفعله الترجمة بشعر عميق وحصيف كشعر ترانسترومر. لكن الشعراء قبل غيرهم أقدر على تقويم المجاز الذي يخلّ به النقل اللاشعري، سوى أنّ المترجم (قاسم حمادي) نقل هنا قصائد ترانسترومر من لغتها الأصلية. كما قد تخلّ بهذا النقل روح مضاعفة تتصور في القصائد ظلالاً غريبة عن روحها الأصلية (ترجمة أدونيس الافتراضية). لكننا هنا نهتدي إلى روح ترانسترومر بحاستنا الشعرية التي دربتنا على ضبطها الإقامة في أرشيف الشاعر ومشاركته أحلامه. فالأحلام لغة مشتركة بين الشعراء. بالنسبة لي كنت أقرأ الغابة بدلالة الشعر، والشعر بدلالة الحلم فيها. الشعر كالعلم، وسيلتان للخروج من الغابة والحلم بها. وديوان ترانسترومر خير هدية وصلتنا، وصلتك، من عالم ما وراء الغابة، في هذا الظرف، ظرفنا، ظرف مرضك.    ليست الغابة وحسب، بل الجليد أيضاً، قادر على إنضاج روح الشعر، كما ينضجه مناخنا الحار الرطب. لا نشعر بالثلج في شعر ترانسترومر إلا عندما يتكلم عن الصيف. صيف ترانسترومر مزهر وأزرق وطري وبهيج. تتعاقب قصائد الصيف والشتاء مع قصائد الخريف بامتزاج ترابطي متبادل. قصائد الخريف تذكرنا باتساع البحر، وإبحار السفن، وصلادة الصخور، وتعملق الأشجار، وغيرها من المظاهر التي أهملتها قصائد الصيف والشتاء. وبهذا فإن قصائد ترانسترومر تنمو في كل الفصول (باخضرار داخلي) لا تلحظه العين. وقد تختصر قصيدة واحدة عبور الفصول المتنوع، في منظر خارجي طويل (قصيدة خاتمة، ص 49). وأعتقد أنك لن تضبط  (أمزجة) الشعر النادر إلا إذا وزنتها بميزان الطبيعة السويدية.      ثم تُذكر الموسيقى، لكي تكتمل رباعية الديوان السويدي، الغابة والجليد والموسيقى، ومطلقها الرابع الشعر، يقدمها ترانسترومر بخفة ضارب سكاكين في السيرك، أو لاعب بيانو يعشق (الألحان الحرة). ليتني صنعتُ من الأبعاد الأربعة مجسماً صغيراً، صندوق موسيقى، أهديه إليك مع الديوان الجامع، يدور على محور خفيّ وراء الجدار الط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram