TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: هل لامست"العمارة الكولونيالية" مدينة بغداد؟

تلويحة المدى: هل لامست"العمارة الكولونيالية" مدينة بغداد؟

نشر في: 29 يونيو, 2012: 06:58 م

 شاكر لعيبيمنذ القرن التاسع عشر، عند نهايات الدولة العثمانية، ومع حركة دخول الاستعمار للعالم العربي، دخل طراز  جديد من العمارة سمي بالعمارة الكولونيالية أو الاستشراقية أو المستعربة، خاصة في مدن مثل القاهرة والإسكندرية والجزائر وتونس العاصمة وصفاقس واليمن وبيروت والدار البيضاء ودمشق وحلب والرباط والقدس. إنها تغترف عناصرها الأساسية من العمارة الأوربية الحديثة لكن تطعِّمها بعناصر من العمارة الإسلامية والمحلية.
 لعل للقاهرة النصيب الكميّ الأوفر من هذه العمارة لأسباب معروفة، فكانت مبانِ مثل بنك مصر في القاهرة (لاشياك 1929) ومعهد الموسيقى العربية (فيروش 1923) دليلاً على امتزاج العناصر. في دمشق تقدم أبنية المتشفى الإيطالي والمدرسة الايطالية مثالين واضحين لها. في بيروت نراها اليوم، حسب رهيف فياض، في شارع فوش، وشارع المعرض، وشارع اللنبي، وشارع ويغان،  كما نراها في كل الشوارع الضيقة والمتعامدة شمال مبنى بلدية بيروت. فياض يطلق عليها اسم العمارة الهجينة، ويرى أن "الكولونياليين أدخلوا بقسوة، المفهوم الهوسماني الذي يقضي بتقسيم واجهة المبنى إلى ثلاثة أقسام عمودية، تتكرر في المباني المتلاصقة التي تصنع واجهة الشارع أو جدار الشارع".  باحثة مثل جليلة القاضي تتحفظ على مثل هذه التعريفات للعمارة الكولونيالية وتعتبرها أيدولوجية وسياسية، وتتساءل بالأحرى عن تعريف وتصنيف هذه العمارة وليس حقيقة وجودها. هذه العمارة وجدت أنصارا محليين لها، مثل المعماري اليمنيّ (رائد العمارة الطينية في حضرموت) علوي أبو بكر الكاف مصمم قَصْرَيْ بن داعر بسيؤن (سنة 1935 م) وقصر عشة بتريم الذي بناه البناء المعلم يعمر باحريش قبل القصر الأول. من النادر أن يقع الحديث عن عمارة كولونيالية في عمارة بغداد الحديثة. إن الإشارات المبثوثة هنا وهناك  عن محاضرة المعماري الأميركي فرانك لويد رايت (1869- 1959) في جمعية المهندسين العراقيين في شهر أيار من عام 1957 عندما استقدمته الحكومة لتصميم دار أوبرا في بغداد لم تُنفّد أبداً (سعد القصاب). وعن الوحدات التصميمية لمشروع المعماري فالتر غروبيوس الذي زار بغداد أيضا في ذلك العقد، ومنها تصميمه لجامعة بغداد في الجادرية (هناك مقالة لخالد السلطاني عن الموضوع). وعن تشييد القاعة الرياضية المغلقة في سبعينات القرن الماضي من طرف المعماري لوكوربوزيه (موسى الخميسي عن تخطيطات المعماري السويسري المعروضة في ميلانو). واستكمال اليوناني قسطنطينوس دوكسيادس مشروعه العمراني في بغداد، خاصة تصميمه لمدينة الثورة (أو الصدر اليوم) وفق قواعد تسعى لتطويق المركز التاريخيّ لبغداد بوحدات سكنية جاهزة، متعامدة ومنفصلة (ترجمة حسين الموزاني لدراسة ميشيل بروفوست: المخابرات المركزية الأمريكية ومشاريع البناء في دول العالم الثالث، مدينة الثورة العراقية نموذجاً)، هي ملاحظات في غاية الأهمية وتستحق توقفاً عميقاً، ولا علاقة لها بالضرورة بأسلوب العمارة الكولونيالية التي يمكن، رغم ذلك، رؤية شيء قليل أو كثير من نمطها في العاصمة بغداد. يمكن الحديث عن هذا الأسلوب على سبيل المثال في مبنى (سراي الحكومة) أو (القشلة) الذي يعود تاريخه إلى زمن والي بغداد (نامق باشا) عام 1861م ومن ثم (مدحت باشا) الذي أستكمل المشروع مضيفاً طابقاً ثانياً وبرج الساعة الميكانيكية الشهيرة. اتخذ مدحت باشا البناية مقراً لولاية بغداد حتى دخول القوات البريطانية لبغداد عام 1917 التي اتخذت البناية نفسها مقراً لها. ولدى كاتب هذه السطور صورة فوتوغرافية تشير إلى البناية بصفتها مقراً للقنصلية البريطانية. في عام 1921 الذي شهد ولادة المملكة العراقية وقع تتويج الملك فيصل الأول ملكاً للعراق في السراي القديم هذا. من الجدير بالذكر أن والي بغداد مدحت باشا كان قد أمر بهدم سور بغداد سنة 1870م لاستعمال طابوقه في بناء ديوان سراي الحكومة.لكن ما هي الخصائص الأسلوبية التي تقرِّب السراي من العمارة الكولونيالية؟ هذا ما سنراه في الأسبوع المقبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram