باسم عبد الحميد حموديغادرنا الشاعر حسين مردان في الرابع من تشرين الاول 1972 وقد نشرت هذه الدراسة في عدد مجلة (الاجيال) الفصلي الرابع لعام 1973 جامعة بين سيرة حياة الشاعر وادبه وطبعت في كتيب في العام نفسه.
الصبيلم يفصح حسين مردان كثيراً عن فترة العقدين الاولين من حياته الا ان المعروف انه ولد عام 1927 وقضى فترة صباه ومراهقته في بعقوبة نتيجة انتقال والده اليها من الحلة،مسقط رأس الشاعر.عاش حسين مع والده عريف الشرطة علي مردان ووالدته مع شقيقاته عيشة ضنكة وضيق مادي، ونشأ متمرداً على واقعه محاولاَ الانتفاض عليه.وقد كانت مؤشرات نموه الفكري الاولى تتمثل في ثلاثة عوامل رئيسة، اولها صفاء جو بعقوبة ورعاية ملاكيها لبساتينهم وعمق الهوة الطبقية بينه وبينهم، فصفت مشاعره وتوترت بفعل ذلك الجو، وثانيها اتجاهه منذ صباه للقراءة الجادة المستمرة وثالثاً قسوة الظروف المعيشية التي عاشها في صباه وفتوته.ترك حسين مردان المدرسة دون ان يكمل الثانوية لانكبابه على المطالعة وعدم رغبته في الدروس الاكاديمية، وقضى فترة مراهقة صعبة ملأها بدواوين الشعر والقصص والتجوال في ريف بعقوبة القريب ومقاهيها الفقيرة.ولسنا نعلم على وجه التأكيد متى بدأ حسين مردان يكتب الشعر ولكننا نعلم ان جماعة من اسرة «الوقت الضائع»، قد اتجهت في 1946 الى بعقوبة بحثاً عن شاعرنا الذي عرف ببغداد دون ان يصل اليها الا قليلاً، وان هذه الجماعة قد تألفت من القاص الرسام نزار سليم والقاص عدنان رؤوف والقاص عبد الملك نوري.وقد كان هدف هؤلاء قضاء وقت ممتع في يوم عطلة والتعرف على الشاعر، وقد كان حسين كريما في لقائه لهم فقد جلب لهم زجاجة من الخمر وجلسوا جميعاً في احد بساتين بعقوبة ليتحدثوا عن الشعر والرسم والقصة وليأكلوا ما حان وقت الساعة.وفغر مردان فاه متعجباً من ثقافتهم وسعة معلوماتهم واتصالاتهم بالرسامين البولنديين وحديثهم عن جواد سليم وايقن عندما ودعهم ان مكانه في بغداد هو الذي سيجعل له شأنا كبيراً وان انزواءه ببعقوبة غير مجد اطلاقاً.الى بغدادولم تمض الا أشهر حتى كان حسين قد وصل الى مقهى العراق وهو واحد من مراكز جماعة الوقت الضائع، لا شيء يحمله معه الا دراهم قليلة وكيساً فيه ملابسه الزائدة البسيطة. ورحب به هناك بقية الجماعة.. بلند الحيدري وجميل حمودي وضيفوه في الغرفة البائسة التي تقع فوق المقهى حيث سكن فيها مجاناً الى ان انتهت لقاءات جماعة الوقت الضائع بفعل خوف اعضائها من السلطة التي بدأت ترقبهم بعين قلقة رغم عدم تشكيل تمردهم على الحياة الاعتيادية هذا أي ضرر مباشر لها.ولم تكن هذه الزيارة لبغداد اولى زيارات حسين فقد زارها وهو جندي يؤدي الخدمة العسكرية بسيارة من سيارات الجيش وزارها ليذهب الى السينما ويبيت في حديقة غازي التي رحبت به مراراً بعد ذلك بعد ان وصل في عربة تجرها الخيل، متعباً لساعات طويلة.قمة الجبلوكان حسين قد بلغ العشرين من عمره عندما استقر ببغداد وكان ذلك عام 1947، ايام جوع بغداد وضيق اهلها بسياسة العسف التي مارستها زمرة نوري السعيد –صالح جبر لامرار معاهدة بورتسموث.ويتحدث حسين عن اسباب مجيئه لبغداد باسلوبه المكثف الاخاذ غافلاً جملة من الحقائق التي لم ير ضرورة لذكرها فيقول «فجأة قررت هجر المدرسة والمجيء الى بغداد.. كنت حينذاك في العشرين من عمري، كتلة نار وسيوف.. وتلقفني شارع الرشيد.. الفساتين الملونة والزجاج.. وقلت لنفسي.. من هذا الرصيف الرمادي ستبدأ مسيرتي الصعبة نحو قمة الجبل.. وكانت الدهشة تشدني من كل جانب حتى وصلت مقهى الزهاوي حيث يجلس محمد هادي الدفتري وخضر الطائي وعبد الرحمن البناء».والواقع ان وجوده الى جانب هؤلاء العموديين المختلفين عنه تفكيراً واسلوباً شعرياً والبعيدين عن جماعته الذين يرتادون مقهى العراق كان فترة موقوتة، فقد كانوا يعاملونه كظاهرة غريبة طريفة ليس الا.وعلى ذلك فهو يقول «كان حماسي الجهنمي وولعي الشديد بالمناقشة والجدل، وافكاري المتطرفة في الشعر والادب قد وضعتني تدريجياً في المكان اللائق بين اصدقائي الجدد..» لذا فهو لا يمكث مع هؤلاء طويلاً وانما ينتقل مع رشيد ياسين وبلند الحيدري وزهير احمد القيسي الى مقهى البلدية بتأييد واسع يومي من ادباء وشعراء الكليات انذاك ومن هؤلاء بدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد واكرم الوتري وبرعاية دائمة لروح التجديد في الشعر الذي يتبناه هؤلاء ولا يلقون سوى تشجيع متردد من جانب العموديين الاكثر يساراً المتمثلين برواد مقهى حسن العجمي امثال عبد القادر البراك- الصحفي وجلال الحنفي –الباحث- وكمال الجبوري- الشاعر.. ومحمد مهدي الجواهري الذي يلتقى مجلسياً بجماعته ولكنه غير مستعد انذاك لقبول قصيدة شعرية حرة.وكان بدر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ونازك الملائكة قد اصدروا في عام 1948 دواوينهم الاولى «ازهار ذابلة» و»ملائكة وشياطين» و»خفقة الطين» و»شظايا ورماد» وقد حملت روح التجديد وان حافظت ع
حسين مردان .. ذاكرة جيل مضى
نشر في: 14 أكتوبر, 2009: 06:52 م