أحمد عبد الحسين أكثر من أيّ وقت مضى، يبدو الدعاة اليوم كأنهم يمزقون تأريخ حزب الدعوة ليرقّعوا تأريخ المالكيّ. فهذا الحزب الذي أسس في النصف الثاني من خمسينات القرن المنصرم يقف اليوم على المحكّ بين مسيرة قيل فيها الكثير وسيقال أكثر لكنّ الناس مجمعة على عظم تضحياته، وبين محنته التي هو فيها الآن بعد أن صار شخص واحد إشكاليّ هو الاسم الآخر لهذا الحزب والمسيرة والتأريخ والتضحيات.
كلما عمل أفراد حزب ما على اندكاك حزبهم في شخص، كان ذلك إيذاناً باهترائه ووصوله إلى التفسّخ والانحطاط، فما أن صارت الشيوعية وستالين شيئاً واحداً حتى بطلت أهمية الحزب وأصبح مزرعة كبرى لإنتاج بطلٍ سيظهر آخر الأمر أنه أقلّ بطولة مما يدّعي هو وأتباعه، وما أن بدأ البعث بالتصاغر ليلائم مقاس شخص صدام حتى تكشفتْ على الملأ علائمُ خواء هذا الحزب وهشاشة عقيدته لصالح عملقة ديكتاتور متجبّر سينتهي لأن يكون مسخرة الدنيا كلها بعد أن سمّاه متملقوه "مفخرة العرب".هكذا تتحطم الأحزاب: تضع تأريخها في كفةٍ، وفي الكفة الأخرى شخص بسيط تؤسطره آلة إعلاميّة يقودها متملقون غالباً وباحثون عن مكاسب آنيّة يقودون هذا الشخص الإشكاليّ إلى الوقوف أمام مرآةٍ تظهره عملاقاً أسطورياً، مفكراً لامعاً، سياسياً داهية، رجل المرحلة ومحقق الإنجازات، فيتقزّم الحزب أمامه وتنشأ حاشية من الطارئين يعيثون بالحزب تخريباً من أجل إعلاء صورة القائد الفرد الذي سيسقط سقوطاً مدويّاً وتنفضّ عنه جمهرة المبخرين والمطبلين، لكنْ ليس قبل أن يجعل من الحزب وتأريخه أثراً بعد عين.حزب الدعوة، الحزب الذي كتب عنه د. سليم الحسني أنه "تمّ تأسيسه في الأصل لمناهضة الديمقراطية والوقوف بوجهها!" ـ راجعْ تاريخ حزب الدعوة.. أوراق غير منشورة ـ، ركب دابّة الديمقراطية ووصل، ويريد قائده الآن أن يذبح الدابّة التي أوصلته للحكم وجعلته القائد الفذّ الأوحد. نجح هذا الحزب في غضون سنين معدودة، في أن يجعل من نفسه مزرعة لتفقيس بَطل. أوجد بطلاً شعبوياً ذا سمات إشكالية متناقضاً لكنه كلما أوغل في بطولته بدا متنكراً لحزبه، ليس بدلالة إحراجه للحزب مرات ومرات، بل ـ أكثر من ذلك ـ بدلالة تكاثر الطارئين من أهل ثقته على حساب الرفاق من أهل الخبرة والعقيدة.أصبحتْ "أنا" القائد هي الحزب والعقيدة، وما لم يتنبّه الدعاةُ إلى أن تأريخ حزبهم يتآكل تحت سطوة اسم البطل وظله الثقيل فإن مصيراً غير سارّ ينتظر هذا الحزب، لن يكون أقلّ فداحة من مصير سائر الأحزاب التي تمخضتْ عقوداً طوالاً فأنجبتْ قائداً أوحد سرعان ما تتكشف عوراته الكثيرة ويتهشم تمثاله فيتهشم حزبه معه.الدعاة مدعوون لأن يوقفوا هذا التداعي، وأن لا يظهروا للناس بهذا المظهر المهين، مظهر من يمزّق تأريخه لستر عورة صنم أطارتْ الريحُ ثيابه بعيداً .. بعيداً ..
قرطاس :مزرعة لتفقيس بَطل!
نشر في: 30 يونيو, 2012: 06:24 م