حازم مبيضين بصدور الحكم ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك ينسدل الستار على فصل من فصول الثورة التي أطاحته بعد ما يقارب الثلاثة عقود من حكم الفرد والعائلة والعسكرالذي ابتليت به مصر, منذ إطاحة الملكية التي تميزت بفساد دعا للثورة عليها ولم يكن هناك غير الجيش قادراً على ذلك, غير أن طعم السلطة كان حلواً على ألسنة الضباط فاستمروا يحكمون لعقود حتى اختمرت نواة الثورة شعبياً فأطاحت ممثلهم الذي كان ينوي توريث الحكم والبلاد لنجله ولم يكن ذلك مرضياً للعسكر الذين تخلوا عنه وتركوه لمصيره الذي كتب هو كل حروفه وكلماته ووضع حتى النقاط والفواصل بين السطور،
وفي حين يواجه مبارك وأركان حكمه مصيرهم تتكشف بعض الحكايا الكفيلة بإشعارنا بالرضا عن التخلص منه, فرئيس بلد يعاني معظم سكانه الفقر والبطالة وينتشر شبابه في أربع أركان الأرض حيث يتكفلون بالمهن الوضيعة كان يقدم لكلبه على الغداء شوربة الخضار مع الدجاج, وعلى العشاء عسل النحل والمياه المعدنية, وغني عن القول إن 90% من أبناء مصر لم يكونوا يحلمون بوجبات كهذه, ولم يكن طموحهم يتجاوز الحصول على وجبة مهما كان نوعها, والرئيس حتى وهو في سجنه يركز تفكيره على شخصية الحلاق الذي يزين رأسي ولديه في معتقلهما ويسأل عن المبلغ الذي يدفعانه له أجراً على حلاقة رأسيهما، لا بد من التوقف عند شكل المحاكمة التي قيل إنها تاريخية, وإنها محاكمة القرن, فقد انعقدت بشكل معكوس, إذ حوكم على أسس جنائية, في محاولة لتخفيف الحكم الصادر ضده, ولم تتم المحاكمة على قواعد سياسية, كما ينبغي بالنسبة لرئيس أخل بالتزاماته الوظيفية والسياسية والأخلاقية، وأساء إلى شعبه، أما اختصار التهم في التصدي للتظاهرات، فهو قلب للأوضاع، ذلك أنه إذا لم يظهر خروج مبارك على قسمه الرئاسي أولاً, فإن تصديه للتظاهرات لم يكن أكثر من ممارسة لمهامه, استهدفت حفظ الأمن والنظام العام، وعندها يكون التجاوز في إصدار الأوامر مغفوراً, وتشفع له مشروعية المقصد, كما يشير إلى ذلك محمد حسنين هيكل في كتابه مبارك وزمانه،بغض النظر عن الحكم, وبتجاوز مقصود لما يقال عن استقلال القضاء, فان المتابعين للشأن المصري, يرون في العقوبة مؤشراً على دور ما للمجلس العسكري الحاكم, ذلك أنه إن جاء الحكم مشدداً, كالإعدام أو المؤبد, فإن ذلك يعني أن العسكر يؤكدون بذلك نأيهم عن رئيسهم السابق, وعن مرشح الفلول في آن معاً, ويثبتون انحيازهم للثورة وأهدافها, أما إن كان الحكم مخففاً, فإن ذلك سيفهم على أساس الرغبة في استمرار عهد مبارك والعسكر, من خلال الحرص على نجاح الفريق أحمد شفيق, كونه قدم إلى الانتخابات من صفوف العسكر ووزراء مبارك, وهنا تكمن أهمية توقيت صدور الحكم في فترة الاستعداد للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية،ثمة سيناريو لم يلتفت إليه الكثير من المتابعين, ويتلخص في تأجيل النطق بالحكم, وهذا حق مكفول للقاضي المعني, وهو بالمناسبة سيحال إلى التقاعد في أجل قريب, فإن حصل ذلك, فإنه يعني أن تحال القضية برمتها إلى قاض جديد, يعود فيها إلى نقطة البداية, وتكون كل محاكمة القرن مسرحية لإلهاء الناس, والعبث بمشاعرهم, وتضييع حق شهداء الثورة, وعودة الثوار حتماً إلى ميادين التحرير للحفاظ على مكتسباتهم التي ضحوا من أجلها, حتى لو كان ثمن ذلك مزيداً من عدم الاستقرار,والمهم أن مبارك سيظل حبيس القضبان, حتى لو كانت تلك القضبان قصراً يوفر له كل أسباب الراحة, ويكفي أنه يحجز حريته.
في الحدث:بعد الحكم على مبارك
نشر في: 30 يونيو, 2012: 06:33 م