عدنان حسين هذه واقعة قد لا يراها آخرون تستحق الكتابة عنها أو حتى الإشارة إليها، لكنني أجد أن من اللازم الاهتمام والتنويه بها، فالأحداث السعيدة قليلة في حياتنا الراهنة، وهذا بفضل زملائنا ورفاقنا السابقين في المعارضة الذين تحوّلوا اليوم إلى حكام لا يقلّون سوءاً عمّن عارضناهم.
على مدى أكثر من سنة منذ عودتي إلى البلاد لم يثر العساكر في نفسي أي شعور بالتضامن والتقدير عندما أمر بهم يومياً في نقاط التفتيش الثابتة والطيارة أو في طوابيرهم السيّارة أو المرابطة في الشوارع والساحات. الانطباع الذي تكوّن لديّ أنهم عدائيون، وبخاصة الضباط منهم، وهو انطباع ما كنت أرغب فيه أبداً، فمثل مئات الآلاف من أقراني من معارضي نظام صدام وسياساته العدوانية، كنت أرغب في قوات مسلحة وطنية تتبادل الحب مع شعبها، وكنت أعتقد أن بالإمكان بناء قوات مسلحة كهذه، ففي بريطانيا التي أقمت فيها منذ عشرين سنة والدول الأوربية التي زرتها كثيراً رأيت بأم العين كيف يتعامل ضباط الشرطة الكبار، مثلاً، بكل تواضع وتهذيب مع أبسط مواطنيهم حتى عندما يتظاهرون ضدهم، وكنت أمنّي النفس بعراق على شاكلة بريطانيا على هذا الصعيد وغيره، وكنت أعتقد ان هذا ليس ضرباً من الخيال الجامح أو العاطفة الوطنية المفرطة.أمس صباحاً، وبالتحديد في الساعة التاسعة و25 دقيقة كنت أقطع بالسيارة شارع الصالحية المتجه من تقاطع وزارة الخارجية باتجاه جسر السنك (لا أعرف اسم الشارع لعدم وجود لوح يحمل اسمه.. أسمع البعض يسميه شارع المحافظة لمروره بمبنى محافظة بغداد). على غير العادة كان هناك انتشار أمني كثيف بعض الشيء. أحد الجنود أشار على السائق بالتوقف جانباً للتفتيش، فامتثل للأمر وتقدّم جندي نحونا وتبعه ضابط شاب. لم يكد الجندي يكمل إلقاء تحيته علينا حتى بادر الضابط بالسلام بلهجة ودودة للغاية.. سأله السائق إن كان يطلب هوية أي منا، فأجاب مبتسماً: اللي تحبوه. أظهرت للضابط الشاب هويتي الصحفية فرفع بصره باتجاهي وقد اتسعت على وجهه ابتسامته العذبة، وبدت نظراته مفعمة بالود والاحترام.. أعاد الهوية وقال لجنديه الذي كان يتفحص دواخل السيارة من الخارج: اتركهم. ثم قال لي بأدب جم: أنتم عوننا وسندنا بما نقوم به من عمل رائع.كان علي بالطبع أن أرد على التحية بأحسن منها أو بمثلها، فقلت: بل الفضل لكم في توفير الأمن لنا وللناس.. نتمنى لكم السلامة والنصر على الأعداء. ليست الوطنية بالشعارات الكبيرة ولا الإنسانية بهذر الكلام .. إنهما بالأعمال الصغيرة والمواقف الصغيرة كموقف الضابط الشاب الذي يُحيي الأمل بأن العراق الذي نريد يُمكن أن يكون، وان هذا العراك الضاري على السلطة والمال بين سياسيي الحكم واستهتارهم بمصالح الوطن والناس سيكون مآلهما مزبلة التاريخ.تحية لضابط الصالحية الشاب، ابن شعبه.
شناشيل:أين سياسيو السلطة من أخلاق هذا الضابط الشاب؟
نشر في: 30 يونيو, 2012: 06:39 م