TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: "طز" ذات مغزى

أحاديث شفوية: "طز" ذات مغزى

نشر في: 30 يونيو, 2012: 09:43 م

 احمد المهناعندما احاول تقييم عمل أو نتاج فكري ما غالبا ما أعمد الى واحد من تعريفات الثقافة وأستخدمه كمعيار للحكم. ويقول ذلك التعريف بأن الثقافة هي ما يتبقى بعد نسيان كل شيء. وقد دفعني كتاب أخير قرأته الى محاولة تقييم خاطفة لشيء آخر غيره وهو دراستي اللغة العربية في الجامعة المستنصرية بين 1975 – 1978.
وكان من بين أبرز من تذكرته الدكتور كمال نشأت، استاذنا في "النقد الأدبي". وهو مصري امتاز بين المدرسين الذين عرفتهم على مدى الأربع سنوات بانتسابه الى الفكر الحديث اكثر من غيره، فضلا عن تمتعه بخفة الدم وروح الدعابة. ذلك أن معظم الأساتذة الآخرين أخذتهم تخصصاتهم في سفرات دون عودة الى العصور التي عالجوها من جاهلية او صدر اسلامية أو اموية أو عباسية أو سلجوقية وما أشبه. وعلى أي حال ماذا يفعل بهذا العصر من اقام حياته واقعدها على دراسة وتعليم شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك؟ او "شذى العرف في فن الصرف" الذي كنا ندخل اليه ونخرج منه كما لو كنا في قبر!كمال نشأت خلافا لهم كان حديثا. وكان ذلك ما يقربني منه. مع ذلك فانه، وفي سياق استنكاره لأساليب معينة في النثر، تساءل يوما في الصف: من يقرأ اليوم جبران خليل جبران؟ أجبته: أنا! فرد علي: طز فيك. وكانت "الميانة" بيننا وراء هذا الرد، وليس القمع من موقع الأعلى للأدنى. لكن "الطز" كانت تعبيرا عن موقف حقيقي له ضد جبران. وجبران الى اليوم أحد أكثر الأدباء مقروئية، خصوصا كتابه (النبي) الذي استمر حضوره الدائم في قائمة الكتب الأفضل مبيعا في العالم.وتبدو لي "طز" استاذي العزيز والمحبوب كمال نشأت وكأنها "طز" قسم اللغة العربية الذي تخرجت منه على كل أنوار العصر الذي نعيش فيه. وهذا أمر محزن حقا. لكن ما أشعر أنه محزن أكثر هو أن هذه "الطز" تكاد تكون أقوى ما أتذكره من دراستي الجامعية. انها حقا "طز" ذات مغزى. والخبر الطيب هو أن مواد تلك الدراسة لم تكن وحدها ما يشغل فضاء الجامعة، وانما كانت هناك مكتبتها الغنية التي تعوضنا فقر المنهج المقرر، وأشياء أخرى حبيبة في الزمن والعمر والصداقات وطراز المعمار الأنيق للجامعة.كان هذا هو الحال قبل 40 عاما، على الأقل في القسم الذي درست فيه. وكان ذلك قبل دخول البلد في الكابوس المديد المتواصل. فكيف أصبحت اليوم؟ الحقيقة أن الأمر مريع. اذ تصلني احيانا مراسلات من طلبة دراسات ماجستير ودكتوراه في الآداب، تشكو من أخطاء في الإملاء، فضلا عن خلو انشائها من الصلة بالآداب. ولربما كانت هناك مشكلة أصلية في دراسات اللغة العربية لا مثيل لها في بقية الفروع والدراسات. ذلك ان العلوم الأخرى حديثة أصلا، وهي في تجدد دائم. أما "علوم العربية" فهي تقليدية نادرا ما جرى عليها اي ابتكار او تجديد، في مبانيها ومعانيها القديمة، أو في طرق تدريسها. أما حالات التجديد النادرة فترتبط بأفراد افذاذ، ليسوا كمن يذهبون الى الماضي ولا يعودون منه، وانما يعيشون وسط الماضي وهم حديثون كل الحداثة، شأن طه حسين. كم عندنا مثله؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram