ياسين طه حافظقراءة هذه المجموعة الشعرية تنقلنا إلى دائرة تساؤلات لا تقتصر على كتابة الأدب . فأنت أمام كتاب جديد , ما يزال يافعاً , وأمام رموز شديدة الكثافة تبدو عانت من الكتمان وأوجدت لها شقوقاً للبوح . فهناك مخاطر في بدء الكتابة وفي التعبير الكاشف والمسموح به .
لذلك تبدو الجمل البسيطة . الجمل الحذرة حدّ القطع , تبدو مثقلةً بالإشارات الصعبة , فللنساء متاعبهن ولهن من العذابات ما لا يعرفه الرجال وما لم يؤلف في الكتابة . وهذه مسألة أخرى , إشكال آخر يجعل المضمون بعيداً عن التماس بالمباشرة التي تدرّبنا "أدبياً" عليها .هي ثاني مجموعة شعرية لها . لكن الشاعرة , كما يبدو من تركيب الجملة وطريقة توجيه الإشارة , قد خبرت الكتابة منذ زمن وتدرّبت قبل هذا الوقت .ولأن دراستها فردية والتدريب فردي , يظل في السطور ما يؤكد الحاجة إلى عدم ابتعاد أصول البلاغة – في حدها المعاصر – عن صياغة السياق .إننا إذ نحتفي بالمجموعة وبمستواها النسوي المتقدم , حدَّ تجاوز المتوقع , لشاعرة جديدة , إنما نهتم بصوت نسوي يحمل أجواءه ومضامينه الطارئة على القراءة الاعتيادية والجديدة على لغة الشعر السائد المتآلفة عادة مع المعروف الشائع مما يكتبه "الذكور" . ما يعنيني هنا ليس هو الشعر فناً ,ولا الديوان , وان كان هذا هو موضوع اهتمامنا الأول , ولكني شخصياً معني بتواجد الحركة النسوية عندنا ومدى التعبير الجديد عنها .في الكتابات النسوية عن عوالمنا الشرق أوسطية المُجَلبَبة والمُحاصَرَة وشديدة التعتيم , نحتاج إلى قراءة خاصة , قراءة صَبور ومتأنية وبعقل مثقف بـ""الحركة النسوية الحديثة" . معنى هذا الكلام قراءة بعقل آخر معني بموضوعات العصر الاجتماعية . هي ليست الطريقة نفسها تماماً التي نقرأ فيها الرجال .مشكلة الكاتبة في شرقنا , المُدان إنسانياً وأخلاقياً , ومشكلة الشاعرة والفنانة , إنها "فرد في أسرة" و "الأسرة لها أب" والأب "مسؤول عن عائلة" والأفراد تحت رعايته وهو "يرعى" هم !التعامل سيكون إذن برمزية بطرياركية وبأفكار بطرياركية . "القائد" يرعى "أبناءه" –الشعب- , الشعب هم "أبناء" القائد أي ضمن السيطرة والتوجيه . وهكذا تتجاوز مفردات:حكومة , رعاية , أبوية , أخوية , التي هي كلها تقع ضمن مضمون "رعاية" أو "سيطرة" ! وهذه ستتفرع منها مفردات : الثقة , الطاعة , الغيرة , الهيمنة , القمع , الخديعة , الأسف , الخيانة , العقاب , وهذه كلها تخضع للـ"أشراف" . وهنا علينا , أو على المرأة , أن تتقبل ذلك "الانسجام المصطنع والعدالة المفترضة من أعلى وأكثر من هذا المشاركة فيها ! وهنا أيضاً يصبح مفيداً للمرأة تعلم قواعد اللعبة وتجريب الخداع بألوانه ! وهكذا دخلت المرأة في عملية "تجريب الأقنعة" ومثل هذه الحالة تتجاوز الوسط العائلي لتُمارس سياسياً أيضاً . فهي اللعبة نفسها عن "الحكومة –العائلة" ومصطلحات النظام العائلي أو الحكم البطرياركي بإطار يبدو مذَهَّباً ..عملية تجريب الخداع هذه توصلنا أدبياً إلى تجريب الأقنعة . وهنا يبرز السؤال: كيف تكتب المرأة عن عذاباتها , حرماناتها المتعددة أو استشرافاتها الشخصية في أجواء المنع وعلامات X المتعددة ؟لا بد من استحداث أسلوب . لا بد من وعي خاص بمفردات خاصة مؤتمنة , لا بد من أن تمتلك طريقتها السرية لتسريب الإشارة .المرأة الشاعرة لا تدرّب عينَها "لترى ولا ترى" حسب . ولكنها تدرّب قلمها لأن تقول ولا تقول . والمشكلة تتعقد أكثر حينما تزدوج الشخصية النسوية , حينما تكون اثنتين , واحدةً تريد الكشف والأخرى تحجب الرؤية . لغتان في الكتاب تشتبكان ! وهذا أول الرصد لأسلوب الكتاب أو لهذه الكتابة . هي أول مجموعة شعرية عراقية مثقلة بمثل هذه النسوية المعقدة , وبهذا الحجم ولعل ملاحظتي لعموم الطرح جعلتني , في كل صفحات الكتاب , أجد التركيب يشي بعبارتين متضادتين في المهمة فبين أن يكون الخطاب موجهاً إلى الجمهور , وبين نزوع آخر لأن يكون "للبعض" منهم , او فقط للأكثر حميمية ! هذا يذكرني ويجعلني استعين بقول لدوريس لسنج الروائية البريطانية المعروفة:"البناء العقلي النسوي مضروب من الداخلشيء جديد مزعج يحدث . قد يكون رائعاً, من يعلم ؟من الصعب اليوم ان تميز بين العظيم والمزعج .."(Public Man Private Woman J. B. Elshton p. 201) وهذا الكلام يأخذنا إلى مجمل قضايا التعقيد النسوي . وان طبيعة الاتجاه النسوي ومعناه الأكثر عصرية , أصبحا موضوعاً جديداً للبحث النقدي , موضوعاً له حقله الخاص . وأول اهتمامات هذا النقد هو: بأية لغة تطرح أديبات اليوم "مضمون" النسوية الجديد ؟ وإذا علمنا بان هذا المضمون عانى القمع والدفن قروناً , فاللغة الاعتيادية المتآلفة مع موضوعاتها , يصعب أن تتقبل ذلك , ويصعب على الكاتبة أو الشاعرة التعبير بدقة كافية عن إشكالات مرفوضة على نطاق ما وشائكة لكنها عصرية على نطاق ما . الصعوبة هنا هي
عن الكتابة النسوية و"نرجـس ينـــــام علـــى حجـــــر"
نشر في: 1 يوليو, 2012: 06:51 م