سرمد الطائيحاولت هذا الاسبوع ان احاور اكثر من جهة معنية بقضايا مهمة تتصل بأزمة الطاقة والاستثمارات او اقتراع مجالس المحافظات المقبل او تلك المعنية بمراقبة ملفات الفساد والهدر، فوجدتهم جميعا بـ"شهية مسدودة". الجميع نسي كل الملفات المتصلة بالحياة اليومية وانشغل بقضية القضايا وهي سحب الثقة وتداعياتها، وكلهم يحاولون ان يجيبوا على سؤال من قبيل: هل سينجح المالكي في عبور العاصفة؟ هل سينجح خصومهم في الاطاحة به؟
الجميع غير مستعد لان يفكر في ملف غير ملف الحكومة، وهذه مصيبة نقع فيها كلما اشتدت الازمة السياسية (ومتى هدأت اصلا؟).لكن الازمة السياسية التي تأتي على حساب حياة الاهالي اليومية، فيها نتائج مهمة علينا ان لا ننساها. وهذه النتائج هي التي يمكنها ان ترسم بديل المالكي وخليفته، وأشهر سؤال في العراق اليوم على الاطلاق هو: من سيخلف المالكي؟ان تجمع 19 ايار في النجف كما يحلو لي ان اسميه والذي طالب باستبدال المالكي فورا، يحمل دلالات مهمة. اولها انه من المرات النادرة جدا التي تشهد موقفا عابرا للطائفية، تشترك فيه 3 كتل كبيرة. والانقسام الطائفي موجود غير ان التكتل الاخير يعني ان تعريفنا للمصلحة بدأ يتطور قليلا ويتجاوز حاجز الطائفة، رغم ان فريق المالكي يحاول ان يقول ان الموضوع طائفي بامتياز.ومن الدلالات المهمة ان الكثير من الحواجز الراديكالية المتشددة تتعرض للتخفيف في اطار تجمع 19 ايار النجفي، وتتجه نحو فرصة اعتدال كبيرة. كما ان الحاجز بين العلماني والديني، والحاجز بين الكردي والعربي، يتعرض الى التخفيف هو الاخر. اليوم نجد ان عرب العراقية يحاولون التهدئة مع الكرد، وسيحتاجون الى استمرار التهدئة التي تعني توصلا الى حلول معقولة على المدى البعيد. لقد تعلموا ان يعملوا مع بعض وتدربوا ان يتحمل احدهم الاخر ويتفهمه، وهذا تحول مصيري مفرح.كما ان الصدر الموصوف بالتشدد والراديكالية الدينية صار يتدرب ويخرج بنتائج مفاجئة، على العمل مع التيار العلماني. والعلمانيون اقتنعوا ان الصدر ليس مجرد امير على جموع متشددة يمكنها احراق البلاد، بل هو يتزعم تيارا شابا نجح في ضخ دماء جديدة بين صفوفه وصار يستقطب رجالا ونساء متعلمين، يتدربون على السياسة ولديهم جرأة ان يقولوا اشياء حاسمة ومؤثرة مفيدة للجميع.كسر الحواجز بين الطوائف والاتجاهات الفكرية امر بدأ يتبلور اليوم كما لم يتبلور من قبل. طريقة المالكي المتشددة في التعامل مع خصومه وغرمائه، علمت هؤلاء الخصوم ان يتخلوا عن درجة من تشددهم ويعملوا سوية لتقييد اندفاعاته غير المحسوبة.الثمرة الاخرى لهذا الحراك، انه حالة نادرة لصفقة تبرم في الداخل، وهي خلاف توجهات اكبر لاعب اقليمي هو ايران، وابرز لاعب دولي هو امريكا، وربما على خلاف توجه كارتلات النفط العملاقة التي تعمل في بلادنا اليوم ويهمها ان تدعم المالكي لانه قدم التزامات كبيرة لها، وهي مرتابة من موقف خصومه.القناعة التي تتبلور بين اطراف الداخل يمكن ان تشجع كارتلات النفط وامريكا وايران على اعادة النظر في دعمها لرئيس حكومة بقي 7 اعوام في منصبه ويحاول ان يهيمن على كل شيء ويفرط بدعم الطوائف والاحزاب له.هذه الثمار مجتمعة اهم من بقاء المالكي. واذا نجح العراقيون في تعزيز هذه النتائج كتقليد، فسيكون في وسعنا ان لا نختلف كثيرا حول "خليفة المالكي". خليفته سيكون اقوى منه لانه سيحظى بدعمهم واستشاراتهم ومواقفهم المساندة جميعا. ولأنهم جميعا خاضوا تدريبا مهما على ان يعتدلوا في نقاط التشدد، وعلى ان يعبروا حواجز الطائفة والعرق بمستوى مفرح نسبيا، وان يبلوروا اتفاقات الداخل التي تقنع صفقة الخارج في اعادة النظر بموقفها... فيفترض انهم قادرون على دعم شخصية معتدلة وسطية تقود الحكومة في زمن صعب جدا.علينا ان نتعلم كيف نعثر على خليفة للمالكي، سواء سحبت منه الثقة ام لم تسحب. اما اذا عجزنا عن تخيل وجود خليفة مناسب، فهذا يعني ان البلاد يمكن ان تختفي من الخارطة بمجرد ان يصاب بالزكام ويلزم الفراش اسبوعين!تليين حواجز الطائفة والعرق وتخفيف مستويات التشدد، ستساعد على الاتفاق على اي شخصية وطنية ومن التحالف الوطني تحديدا، للقيام بمسؤولية كبيرة ندرك جميعا ان هناك عشرات العراقيين يمكن ان يقوموا بها.. وفي النهاية فإن المالكي لم يجترح معجزة خارقة كي يصاب خليفته بالذعر، وعلينا ان لا ننسى ذلك.
عالم آخر: من هو بديل المالكي؟
نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:13 م