TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: ولا مليونير واحد متنور!

أحاديث شفوية: ولا مليونير واحد متنور!

نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:16 م

 احمد المهناقبل عشرين عاما عبر المفكر الجزائري الراحل محمد اركون عن أمله بأن يترجم العرب كتاب المستشرق الألماني جوزيف فان أيس "اللاهوت والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة". وهو موسوعة بستة أجزاء، استوعبت أكبر رواية لتشكل الفكر الديني في بدايات الاسلام.
وقبل بضعة أيام عبر المفكر السوري هاشم صالح عن نفس الأمل! ولكن على ما يبدو أنه "أمل اليهود بالأباعر" كما يقول مثل عراقي. ينطلق تطلع أركون وصالح الى تعريب هذه الموسوعة من حاجة ملحة الى تنوير الشعوب العربية والاسلامية بتاريخها الحقيقي، وبشكل علمي أو عقلاني، وليس على الطريقة التقليدية. فطالما لم يتوفر مثل هذا الفهم لدينا فان هيمنة الرواية التقليدية تظل طاغية، وفهمنا لتاريخنا وأنفسنا يظل محكوما بقصص المؤرخين القدامى، وروايات أصحاب الملل والنحل. ولا جديد تحت الشمس، لأن الأحفاد يعيشون على أغذية الأجداد.ويقينا فإن التأريخ الذي وضعه أسلافنا يتمتع بقيمة كبيرة، فهو الأصل الذي لا غنى عنه عند كل اعادة لكتابة التاريخ. ولكن "علم التأريخ" تغير معناه، وابتكرت له مناهج جديدة، كما انه هو نفسه أصبح متعددا، فصارت هناك "علوم التأريخ"، وهذه تستفيد بدورها من فروع عديدة لعلم الاجتماع، وفوق ذلك كله جدت فلسفة التاريخ.ولم تستفد كتابة التأريخ عندنا من كل هذه التطورات الهائلة التي جدت في القرون الثلاثة الأخيرة الا ما ندر. ولدرجة يمكن القول معها ان سيرة الرسول الأعظم (ص) نفسها لم تكتب تقريبا بهذه المنظورات الحديثة. وبحدود اطلاعي ليست هناك سيرة من هذا النوع، عدا التي وضعها المؤرخ جواد علي بعنوان "المفصل في تاريخ العرب في الاسلام". وقد أرادها أن تكون مكملة لموسوعته (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام)، ولكن القدر لم يمهله، فمات ولم يكمل منها سوى الجزء الأول الذي توقف عند السنة الثالثة للبعثة.ان التأريخ لم يعد هو سرد أحداث الماضي.، وانما هو معرفة الطريقة التي يصوغ بها هذا المجتمع او ذاك نفسه المرة بعد الأخرى. ومعنى ذلك ان تجديد صياغة "العقلية" يرتبط بالتجديد في صياغة فهمنا لتاريخنا. فلا شك أن الأدوات تغيرنا من الخارج في اللبس والطبخ والسكن والعمل والصحة والإتصال والتسلية والى آخره. ولكن ما يغيرنا من الداخل، أي فكريا وروحيا، هو أشياء أخرى. وفهم ماضينا بشكل علمي من أهم وسائل التغيير على هذا المستوى.ونحن بغياب هذا التأريخ كائنات تعاصر الحاضر زمنيا وتفارقه فكريا. أو نعيش الحاضر بعقل الماضي. وهل هناك شاهد على ذلك أكبر من عودة الصراعات الطائفية؟ ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الألماني حسب أركون وصالح. انه سلاح مواجهة وتحرير للتأريخ والفكر السائدين. تماما مثلما كان تعريب الفلسفة اليونانية سلاحا استخدمه المأمون ضد أفكار سادت زمنه. ولكننا اليوم بلا سلطة ولا طبقة لها مصلحة بالتنوير. وربما بلا مليونير واحد متنور مستعد للإنفاق على كتاب!ولعل آمال أركون وصالح، بانقاذ فكري يأتينا عبر ترجمة كتاب من الخارج، شبيهة بآمال السوريين اليوم (وقبلهم العراقيين والليبيين واليمنيين) بإنقاذ حربي أو سياسي يأتيهم من الخارج. الى هذه الدرجة تراجع الأمل بأنفسنا في هذه المرحلة. بل أصبحنا خطرا على أنفسنا وأحيانا على غيرنا أيضا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram