هاشم العقابيلو أجرينا تحليلا كميا لمضمون ما تتداوله وسائل الإعلام العراقية، من أخبار وتصريحات وتحليلات، لوجدنا قضية "سحب الثقة" تتصدر قائمة النتيجة بتفوق كبير. وهذا شيء طبيعي لأنها قد تعد من أهم الأحداث السياسية بعد التغيير، ولأنها أيضا كخطوة، ان كتب لها ان تتم، ستصبح سابقة في تاريخ العراق السياسي كله. ومن طبائع السوابق انها تشغل الناس والإعلام معا.
لكننا بالمقابل لو أجرينا تحليلا نوعيا لتفسير اليات "سحب الثقة" طبقا للدستور، فسيندر وجود من يوضحها للناس بشكل صحيح، عن قصد او بدون قصد. واعتقد ان غياب الفهم الواضح والدقيق للفصل ما بين طريقتي سحب الثقة التي حددها المادة 61 من الدستور يعد من أهم الأسباب التي أربكت المسؤولين أنفسهم وأدت الى صدور ردود أفعال متضاربة من قبلهم وكذلك من قبل الناس.تابعت، وبدقة، تصريحات المسؤولين بهذا الشأن. وركزت بشكل خاص على رجال القانون، محامين وقضاة، فلم اجد فيهم من فسر طريقة اعتماد الاستجواب، بعد ان يتقدم خمس أعضاء البرلمان بطلب لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، تفسيرا صحيحا. وهذه الطريقة، كما هو منصوص عليه في الدستور، تتطلب توضيح الأسباب الموجبة للطلب تتبعها عملية الاستجواب.انا لست قانونيا أو فقيها بالدستور. لكن الإنسان لا يحتاج دائما للتخصص في تفسير كل الأشياء، ويمكنه فهم اغلبها عن طريق ما يسميه الانكليز "الحس العام" common sense. وهم في هذا يقولون: "ان يكون لديك حس عام بدون ثقافة أفضل، الف مرة، من ان تكون لديك ثقافة بدون حس عام".ان خمس أعضاء البرلمان يعني، من الناحية العديدة، وجود 65 عضوا مقتنعين بسحب الثقة. ولان سحب الثقة يتطلب وجود أغلبية مطلقة (نصف +1) أي 164، فهذا يعني انهم أقلية (65 مقابل 164). بتعبير آخر انهم بحاجة الى إقناع 99 عضوا لم يقتنعوا بعد. وهذا ليس بالأمر السهل. ومن هنا تأتي فكرة الاستجواب. كثيرون يتصورون ان الاستجواب هو فرصة لرئيس الوزراء كي ينجو من عملية سحب الثقة. وهذا قد يكون صحيحا الى حد ما. لكن الأصح هو انه فرصة لأولئك الـ 65 عضوا لإقناع أعضاء آخرين لينضموا لهم بأمل ان يتصاعد العدد ليصل الى الأغلبية المطلقة. ومهما كان نوع دفاع رئيس الوزراء وكذلك نوع الأسئلة التي ستوجه له أثناء الاستجواب، تظل النتيجة الحتمية بيد التصويت. فان انتهى الاستجواب وصوت الحاضرون ووصل عدد المطالبين بسحب الثقة الى سقف الأغلبية المطلقة فستسحب الثقة بغض النظر عن طبيعة أسئلة الاستجواب ونوعية الأجوبة. الفيصل هو عدد المصوتين ليس غير.فاذا كان عدد المقتنعين بسحب الثقة، من أساسه، يشكل أغلبية مطلقة، فما هي فائدة الاستجواب اذن؟ لا فائدة . الحقيقة سيصبح الأمر مجرد مضيعة للوقت لأن النتيجة محسومة. وهنا يأتي دور رئيس الجمهورية باعتباره حاميا للدستور وللمصلحة العامة. فان اقتنع بان النتيجة هي هي، بالاستجواب او بغيره، فعليه ان يحسم نزاع القوم ويختصر الطريق كي لا تجهض روح الديمقراطية، ولا تتعطل عجلة الدولة او العملية السياسية . لذا انيط به مطالبة البرلمان للتصويت على سحب الثقة مباشرة لان بين يديه تواقيع تخبره بأنها حاصلة لا محال.
سلاما ياعراق : عن "الاستجواب" و "سحب الثقة"
نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:19 م