سرمد الطائيقبل ان نصحو على اعتداء كبير لحق بالوقفين السني والشيعي في بغداد نهار الاثنين، كنت اتحدث مع الزملاء في غرفة الاخبار عن ضرورة ان نسأل كل من نعرفه: لماذا تثار خلافات حول الاضرحة المقدسة والجوامع في اصعب توقيتات الازمة السياسية؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ ولماذا لم يستخدم المالكي تلك الصلاحيات الواسعة (التي لم يمنحها له احد بل انتزعها هو بنقضه كل الشراكات) لتهدئة ازمة الاوقاف حتى "تعدي على خير" ازمة حكومته هو؟
لم نحصل على جواب واضح وخرجنا باتهامات متبادلة نشرتها "المدى" في عدد الاثنين، وكان مسؤولو الوقفين يحاولون القاء الكرة في ملعب الخصم ولم اشعر بنبرة مسؤولة منهم. ولا ادري ان كانت انفجارات اليوم وصواريخه قد جعلت المسؤولين عن هذا الملف يتحسسون شيئا من المسؤولية ازاء تصريحاتهم التي تلهب مشاعر المتشددين على كل الجبهات.الاضرحة المقدسة او بيوت الله، مؤسسة اخلاقية لعبت ادوارا خطيرة في تاريخ المسلمين، مثلما كل الديانات الاخرى. وطيلة الفترة الماضية كان ذوو الرأي يشيدون بمواقف المؤسسة الدينية التي هدأت الفتن في كثير من الاوقات. واليوم يلقي الخلاف حول هذه الاوقاف بمسؤولية جديدة على المرجعيات، واقل ما يمكننا ان نرجو منها هو تأجيل هذا الملف كما جرى تأجيل ملفات كبيرة ومهمة، كي نجزئ المشاكل ولا تنفجر في وجوهنا دفعة واحدة وتجعلنا في موقف لا نحسد عليه.الامر الذي يجعلنا نطلب حد التوسل من كبار رجال الدين ان يسارعوا الى تهدئة فورية لملف الاضرحة والجوامع ووقفيتها وعائديتها والنزاع المتصل بها، هو ان كبار الساسة الذين يحاولون عادة ضبط صمامات الامان للحيلولة دون الانفجار، مشغولون اليوم بأزمة حكمهم وحكومتهم. وملف سحب الثقة بلغ مرحلة حساسة، والرسل تتحرك بتواتر بين طهران ومنها، وعبر واشنطن وإليها كما نسمع، ولعل كبار رجال الدين يسدون فراغ "وسطاء التهدئة" المعتادين.انها ايضا لحظة خاصة بإيران وامريكا، فكلاهما يهمه اليوم ان يشهد العراق تهدئة عميقة. ومصالح الطرفين في العراق وهي غير خافية، تملي على الامريكان والايرانيين ان يعيدوا النظر في الموقف من حكومة السيد نوري المالكي. هذه الحكومة صارت تفرق الناس ولا تجمعهم، وفشلت في ان تكون مظلة للجميع وانسد باب الحوار، ومصلحة طهران وواشنطن حاليا تتمثل بدعم حكومة تجمع الاطراف الرئيسية، ولا اتخيل ان طرفا دوليا تهمه مصلحة العراق، مستعد لخسارة 5 من احزابه الكبرى من اجل حزب او شخص واحد.مسؤولية امريكا وايران ازاء اطراف اجتماعات اربيل والنجف، تشبه المسؤولية التاريخية الملقاة على المالكي نفسه، وعلى حزب الدعوة والتحالف الوطني، لمنع انزلاق الاوضاع السياسية التي لا ينقصها صفيح ساخن ولا موقد يشعل النيران.ما هي النتيجة اذن؟اليوم كان احد الزملاء يحمل "كارت" او شهادة ولده طالب المرحلة الابتدائية، وهو مسرور بأنه حظي بالتفوق، وحين رمقت هذه "الكارتونة" البيضاء لم اقاوم اغراء ان اخطفها من يديه واحدق فيها طويلا. انها احلى "نتيجة" ينتظرها المرء بعد سنة من الدراسة. انه "الكارت" ذاته الذي كنا نتسلمه في نهاية سنواتنا الدراسية، ونأخذه فرحين بدرجاتنا مع امل الحصول على "بايسكل جديد" او حتى مجرد حلويات احيانا. تلمست "الكارت" بيدي وشممت رائحته وتخيلت نفسي مكان هذا الصغير الذي انهى سنة دراسية وسيتاح له ان يلهو 3 شهور في عطلة الصيف حتى يبدأ رحلة كفاح بحجمه مع نهاية الخريف.كنت اقلب الدرجات وتواقيع الاساتذة وولي الامر واتخيل ماذا في وسعنا ان نضع من ارقام لو اردنا ان نصدر "كارت نهاية السنة" للسادة الحكام مدبري امور الجمهور؟ النتيجة سيئة بالتأكيد وخاصة في سنتهم الاخيرة التي جعلتهم يلقون على صفيحنا الساخن، 10 مشاكل كبيرة دفعة واحدة، دون ان يشعروا بأدنى مسؤولية تجاه امكانية ان نحترق.حتى في حربنا الاهلية لم تكن لدينا هذه الكمية من المشاكل يا الهي. حتى في حربنا الاهلية كان الكثير من الساسة ورجال الدين، اكثر حذرا في فتح النار، واكثر مبادرة لاطفاء الحرائق. هل نعيش اطول سنين الازمة يا ترى؟
عالم آخر: فتنة الاوقاف وأطول سنين الازمة
نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:37 م