د. معتز محي عبد الحميديعرّف محمد بن أبي بكر الرازي في مختار الصحاح «الانضباط»: مصدره الضبط وهو ضبط الشيء أي حفظه بالحزم، ويُقال رجل ضابط أي حازم. ويرتبط الانضباط بالمهنة العسكرية والشرطية،
فنقول هذا ضابط شرطة، أو ضابط في الجيش، ولا تستقيم المهنة العسكرية والشرطية، إلا بالانضباط، فإذا انعدم الانضباط، انعدمت الثقة في المؤسسة الشرطية، لأنها حافظة للنظام والقانون وكافلة لحقوق الناس، فليس من المستغرب حرص المؤسسة الشرطية على إحكام الرقابة والتدقيق والمتابعة والتقييم الدائم لأداء أفرادها إدارياً ومسلكياً، حفاظاً على سمعة المؤسسة وسمعة القائمين على تطبيق القانون وتنفيذه فيها. وتعرّف الـ«ويكبيديا» الانضباط على أنه التزام شخصٍ ليسير على سلوك معين من النظام أو «الأوامر» والتوجيهات. والانضباط يعتمد على أساليب المحاكاة وتدريس السلوك المقبول، والتحكم الذاتي، ومراقبة السلوك. وعبارة «الانضباط» قد تحمل دلالة سلبية عند البعض، ذلك لأن تطبيق النظام يتضمّن تنفيذ التعليمات، وغالباً ما تنفذ في ظل الخوف من العقوبة. والانضباط الذاتي يعتمد على التدريب الذي يعطيه الشخص لنفسه لإنجاز مهمة معينة، أو لتبني نمطاً معيناً من السلوك. ويشبِّه أحد المتخصصين الأجانب في تنمية الذات الانضباط الذاتي بأنه كالعضلة تحتاج إلى التدريب وإلى عامل الوقت حتى تقوى، وتكون قادرة على التحمل والاستمرار في الأداء. ويعد الانضباط الذاتي أداة من أدوات التنمية الشخصية العديدة المتاحة للمرء، فبالانضباط يمكن للمرء أن يتحدى الصعاب، ويتغلب على المشكلات الذاتية والمحيطة به، والقضاء على التسويف في الأعمال والالتزامات اليومية، والسيطرة على الفوضى والجهل، وتنمية الذات معرفياً وعلمياً ومسلكياً. وبالإمكان أن يكون الانضباط أكثر فاعلية وتأثيراً عندما يقترن بعوامل أخرى كالعاطفة، وتحديد الأهداف، والتخطيط، بالإضافة إلى عامل مهم ألا وهو قوة الإرادة. فيقال إن الفرق بين الشخص الناجح والآخرين ليس نقص القوة، وليس نقص المعرفة، ولكن ضعف الإرادة لديهم. وفي اعتقادي الشخصي أن الانضباط الذاتي هو طريق إلى الانضباط الجمعي أو الجماعي، وبخاصة في ما يتعلق بالالتزام بالأنظمة والقوانين المسيرة لشؤون المجتمع المدني، وأقرب مثال على ذلك، الالتزام بقوانين وأنظمة السير والمرور، فهناك علاقة طردية بين درجة الانضباط الجماعي بقوانين وأنظمة السير والمرور، وعدد المخالفات المرورية، وعدد الحوادث، والإصابات والوفيات، فكلما قلَّت المخالفات والحوادث والإصابات والوفيات، كلما كانت لدينا درجة عالية من الانضباط الذاتي والجمعي في المجتمع، وكلما كان أيضا بالإمكان تقدير درجة الوعي والالتزام والمعرفة والثقافة لدى أفراد المجتمع. ويحسب لعملية الانضباط الذاتي والجمعي التوفير الكبير في الكلفة المالية المترتبة على الأجهزة والتقنية الضابطة لحركة السير والمرور، فكلما زاد معدل الانضباط الذاتي في المجتمع كلما قلت الكلفة المالية المترتبة على التقنية المنظمة له. فالانضباط المروري، على سبيل المثال، المبني على الخوف من العقوبة، من المفترض أن لا يكون إلا للاستثناء البسيط من المخالفين لأنظمة السير والمرور من أفراد المجتمع .يبقى أن نقول إن مجالات الانضباط الذاتي عدة، ولكن يجب أن نولي هذا الأمر أهمية قصوى في مجالات التربية والتنشئة، كالمدارس، والأسرة والبيت، ومنظمات المجتمع المدني ، والمؤسسات، وغيرها فلا يمكن أن نضع في كل زاوية وشارع ضابط مرور أو جهاز «رادار»، أو كاميرا للمراقبة، أو جهاز تفتيش ورقابة على كل صغيرة وكبيرة لتحقيق الانضباط العام، فالكلفة لا شك عالية، ولكن الأسهل - في نظري- الانضباط الذاتي .
تحت المجهر: الانضباط الذاتي وتطبيق القانون
نشر في: 1 يوليو, 2012: 07:59 م