TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > سفينة الساسة وبوصلة الوطن

سفينة الساسة وبوصلة الوطن

نشر في: 1 يوليو, 2012: 08:15 م

 إيمان الغزيهناك مثل إنجليزي شهير يقول: (ما من شيء في الحياة إلاّ وسيركب في قارب السياسة!) أي أنّ السياسي في نهاية المطاف يتحمّل مسؤولية جسيمة لأنه قائد سفينة النجاة في بحر الحياة الهائج، فإما يصل بسفينته إلى موانئ السعادة أو يظلّ يتخبّط في دروب وطرق ستنهك السفينة وراكبيها دون أن تصل بهم سوى إلى محطات البؤس والشقاء والأمل الفارغ،
ومعنى هذا المثل كما هو واضح من مداليله إنّ الأمم الأخرى جعلت فن السياسة مرادفا لفن الإدارة الناجحة، فالسياسي الناجح هو الإداري الناجح وهو الوطني المخلص الذي تنعدم مصلحته الشخصية أو الفئوية وتتلاشى إزاء مصلحة البلد واعتباراتها المستقبليّة، والمجتمع الذي يوكل أمر قيادته إلى جهة ما هو أشبه بركّاب السفينة في يوم عاصف، أمرهم ونجاتهم موكولان بمن وثقوا به فأسلموه رقابهم وقيادهم!ولو تأملنا ساسة العراق وسياساتهم - مع استثناءات بسيطة - في فترة تجاوزت النصف قرن لوجدنا من خلال الواقع الذي نحن عليه الآن مثالا يفوق كلّ الأمثلة في العالم على سوء التدبير وتغليب المصالح الخاصة الضيقة على مصلحة الوطن الكبرى وعلى رفعته وكرامة مواطنه، فمن الانقلابات الدموية إلى الاستبداد والانفراد بالسلطة، ومن التنكيل بالمواطن البسيط إلى العبث بمقدراته وخيراته ومصيره، ومن حروب الجور والاستنزاف إلى الحصارات التي غيّرت البناء السايكلوجي للفرد وللمجتمع، مما أدّى بالتالي بعد كلّ ذلك إلى تعطيل الدور الحضاري لهذا البلد العريق، وتخلّف إنسانه وشعوره بالضياع واليأس، ذلك الإنسان الذي أبدع بالأمس مع قلة الإمكانات الأبجدية والكتابة، واخترع العجلة وسنّ القانون البشري وعمّر الأوطان بشواهد لا تزال قائمة تحكي روعة العقل المبدع وذوقه الرفيع مع تقادم القرون الطويلة.إنّ العراق كما هو معروف يضمّ بين ظهرانيه ثاني احتياطي للبترول عالميّا، وهو البلد الوحيد بالأرض الذي حباه الله بالخصب والخير والماء والنماء إلى جانب ثرواته الهائلة وإلى جانب اشتماله على طاقات بشرية هائلة تزيد على الثلاثين مليون نسمة، أي أن مقوّمات النمو والتطور هيّأها له ربّ العزّة، وأعني بها تلك الثلاثة المشار إليها (المال، الماء، البشر) وهي عماد كلّ تطور وكل نهوض حقيقي، لكنه البلد الوحيد في العالم - وتلك من أغرب المفارقات - الذي تأتيه بواخر القمح والرز من استراليا وتساق له الطماطم من دول الجوار، وتعبّأ له الأسماك المعلبة في فيتنام والمينمار، ويؤتى له بالبسكويت من جزر القمر، وحتى التمر -وهذه أم المصائب - صار يقطف لنا من دول الخليج التي كانت بالأمس رملاً وملحاً أجاجاً!فما الذي ينقصنا لكي نقف بين الأمم رافعي الرؤوس مفتخرين بواقع حاضر لا بماض تليد؟ والجواب - بالطبع - لا شيء سوى إدارة سياسية غيورة وطنية ومخلصة لا تخشى في ما ينفع الناس لومة لائم، وهو ما نخشى أن يظل مجرد أحلام وأوهام يحلم بها المواطن البسيط الذي أنهكته الحروب والحصارات، في ظلّ ما نراه من خلافات الساسة واختلافاتهم على أبسط الأمور، وكأن لم يكن هناك دستور يُحتكم إليه ولا برلمان تُفوّض إليه الأمور، ولا عهود ولا مواثيق تنظم العلاقات بين الجميع!ولا ينقصنا إلاّ سياسي محنّك ومثقف يحسب أنّ الله في كلّ صغيرة وكبيرة يراه، فلا يسعى إلى تنصيب نفسه وصيّا على الناس أو قائدا للمجتمع والأمة، ولا يريد أن يكون شخصه رسولا للحقيقة والهداية، أو ملهما فذّا، لأن هذه الشعارات قد تُرجمت على أرض الواقع فشلا ذريعا وإحباطا مميتا لخمسة قرون مضت. لا ينقصنا إلاّ سياسي يتّخذ من مقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (إنّ إمرتكم لا تعدل عندي عفطة عنز حتى أقيم عدلاً أو أنتصف لمظلوم) شعاراً له فلا يطلب السلطة لذاتها، وإنما لأنّها غاية إصلاح ووسيلة إسعاد لملايين المحرومين والضعفاء، وزلفى بعد ذلك من ربّ العالمين!ولو أردنا التفكير في ما أوصلنا إلى هذه المحطة البائسة وإلى هذه المنزلة التي تُشفي صدر عدوّنا وتُشمت بنا كلّ من لا نُرضي له هوى ولا نُعجب له عين؟أليس هو قارب الساسة البائس الذي امتطوه بالأمس راغبين بأمجاد زائفة وطامعين بوجاهات دنيوية زائلة، فأوصلونا إلى محطات الشقاء والتردي والتخلّف، ثمّ رحلوا غير مأسوف عليهم إلى مصير أسود، بعد أن تركوا شوارعنا أبشع منظرا من شوارع الصومال، وبعد أن جعلوا الملايين من فقرائنا يحلمون بمنازل يمتلكونها ولو كانت كمنازل أهل كردفان، مع أنّهم يمشون وتحت أقدامهم كنوز الدنيا مذخورة لهم إكراما من ربّ العالمين! والأدهى من ذلك أنهم اخترعوا لنا أماني وأحلاما بوطن بديل - ولو كان منفى - عن عراقنا الحبيب الذي باركه الله بنعم لا يحصونها، أولها نعمة الإسلام وآخرها أنهار تجري بين يديه، وكنوز مخبوءة تحت قدميه! إنّ توجيه سفينة الساسة للوجهة الصحيحة مسؤولية بأعناق الجميع، وإنّ مراقبة بوصلتها كي تشير دائما باتجاه مصلحة البلد ومصلحة أهله الطيبين، واجب وطني وأخلاقي يتحمّله كل فرد عراقي واع وعاقل، رجلا كان أو امرأة، بغضّ النظر عن دينه وملّته وتوجّهه السياسي، فتجربة الأمس المريرة لو قيّض لها أن تتكرر -لا سمح الله - ستدخلنا سفينة الساسة من جديد بحر الظلمات اللجيّ الذي لن نخرج منه إلى الأبد!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram