احمد المهنا مسرحية "روميو وجوليت في بغداد" عمل يمنح المشاهد العراقي أملا. انتابني هذا الشعور ما أن انطلق عرضها على مسرح "ريفر سايد" في لندن، ثم تتابعت علي ألوان أخرى من المشاعر والعواطف والأفكار طوال العرض المشوق والمثير الذي قدمته "فرقة العراق المسرحية" في اطار مهرجان شكسبير العالمي.
هذا العمل الذي اقتبسه عن النص الشكسبيري، وأخرجه، مناضل داوود، يدخل في "مواجهة مباشرة" مع النزاعات الطائفية في العراق. وبصيغة أكثر تحديدا "النزاع الشيعي – السني". وهذا النوع من المواجهة غير معهود، بل وغير مسبوق، في الفنون والآداب العراقية. ولربما كانت هذه المواجهة الفريدة هي السبب في اتهام المسرحية ب"الطائفية".ومن دون أدنى شك فان هذا الإتهام باطل وظالم. فالروح اللائبة السائدة في العمل من أوله الى آخره،هي اللهفة اللاهبة الى الفرح والحب واللعب، في زمن الحزن والكره والقتل. انها روح الحياة المضادة والمتعاكسة مع روح الموت. الروح الإنسانية في مواجهة الروح الطائفية. والموقف النقدي في المسرحية موزع بعدالة على الجانبين، السني المتهيج، والشيعي المتطرف. ومن دون أن يحملك هذا النقد على ان تكره هذا أو تمقت ذاك.وأكثر من ذلك كان موقف العمل النقدي من الطائفية على درجة من "الطيبة" بحيث جاء محملا بأمل لا يخبو، وتطلع لا ينكسر، الى امكانية الوصول بالجانبين الى مرتبة الصداقة، والأخوة، بل والى المحبة. فأنت لا تستطيع ان تكره مونتيغيو (الشيعي)، ولا أن تمقت كابوليت (السني)، على شدة ما بينهما من تنازع. انك تبزع من كل ما يقولان، وانك لتنفر من تنازعمهما على السلطة، ولكن العمل يشحذ فيهما وفيك شحذا من أجل استظهار وتحريك العوامل الانسانية، الخبيئة في أعماق النفس البشرية، والحاملة لامكانية تذويب الصراعات واحلال السلام.وطوال العمل بقي مونتيغيو(الشيعي) وكابوليت (السني)، وهما والدا روميو وجوليت، مفهومَين على نحو ما، ومقبولَين، وموضعي أمل، بل ومحبوبَين أيضا. ووحده الكريه على طول الخط، ومن دون انقطاع، هو باريس الذي جسد ارهاب "القاعدة" الوافد الى البلاد من الخارج. وبمقدار ما كان يبدو هذا الأخير مضحكا في بعض الأحيان، كان يبدو في احيان اخرى مفزعا بحق. حتى أنني سمعت في احدى لحظات ظهوره المباغت عبارة "الله يستر" ندت بدون شعور عن أحد المشاهدين!وكان روميو وجوليت في المركز من ذلك الصراع. وقضيتهما، وقضية المسرحية بالجملة، هي السؤال المؤلم والفاجع: هل يمكن للحب أن يعيش وأن ينتصر في "زمن الطائفية"؟ انه سؤال مسرحية "روميو وجوليت في بغداد". وسؤال البلاد الظامئة الى الحب. وكانت اجابة المسرحية تراجيدية. ففي الذروة من لحظة الوصال، فجر باريس نفسه بالعاشقَين، وسط الكنيسة التي لجآ اليها.ويتخذ العمل من هذه الفاجعة ذريعة لـ "المصالحة" بين مونتيغيو والد روميو وكابوليت والد جوليت. فألم الفقدان طهرهما من الأهواء السوداء، وآخى بينهما في "النهاية السعيدة" للمسرحية. وكانت سبقت هذه الخاتمة "نهاية سعيدة" أخرى بين شابين قتيلين من الطائفتين، حيث ظهرا متآخيين يدا بيد بعد الموت.. ذلك السلام الدائم الوحيد في تاريخ بني البشر.وكنت أفضل أن يكون مشهد هذين الشابين في الآخرة هو خاتمة المسرحية. فهناك مواجهات ابداعية وفكرية مع الموت أظهرت مقدرته الفذة على إلهام القوة لفكرة السلام. تماما مثلما استطاعت هذه المسرحية مواجهة الطائفية برفع قيمة الحب، وجعلها معيارا للحياة السليمة.
أحاديث شفوية:الحب في زمن الطائفية
نشر في: 1 يوليو, 2012: 09:48 م