TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: السياسة والمحبة

أحاديث شفوية: السياسة والمحبة

نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:15 م

 احمد المهناالذين تفتح وعيهم في الجمهورية، وداعيكم منهم، فاتت عليهم فرصة العيش في ظل المحبة الملكية. فالملوك الثلاثة كانوا محبوبين من الشعب. نعم كانت هناك على الدوام صراعات سياسية. فقد كان البلد يعيش تجربة الحكم الذاتي لأول مرة في التاريخ.
 وكان عهدا انتقاليا شاملا من حياة تنتسب الى القرون الوسطى الى حياة حديثة. وكان من المستحيل تحقيق هذا الإنتقال في 37 عاما هي مدة الحكم الملكي.ومن هنا تأتي الصراعات السياسية. ولكنها كانت تتعلق بالحكومات والبرلمانات، لا بالملك الذي كان مصونا غير مسؤول. فبخلاف بقية الساسة كان هناك "اجماع وطني" على محبة الملوك. وقد شذ الأمير عبد الإله وحده عن القاعدة. فقد كان الوصي على الملك الصغير مكروها من الشعب. عداه كان هناك، صدقوا، لدى الشعب ملك يحبه. وهو ما لم يحدث مثله قط في العهد الجمهوري. فأقصى محبة نالها حاكم كانت من نصيب عبد الكريم قاسم. انه أكثر زعماء الجمهورية شعبية. ولكن كان هناك أيضا قسم غير قليل من السكان يكرهونه.والمحبة الملكية كانت مسالمة. فالشعب أحب الملك دون أن يحمله ذلك على كره عدوه، لأنه لم يكن له عدو. أما المحبة الجمهورية فكانت عدوانية. فجمهور قاسم كان يكره خصومه وهؤلاء يبادلونه الكره. وظل الحب والكره السياسي في الجمهورية محليا في معظمه، الى أن تعاظم ووصل الى درجات قياسية مع جمهورية صدام. ففي المقطع الأخير من زمنه أمسى العالم كله عدوا، وأصبحت الكراهية شاملة.وهذا كله فصل جمهوري، و"العراق الديمقراطي" فصل جمهوري آخر. فهنا اتخذت الكراهية للمرة الأولى مسلكا شعبيا عنيفا، أيام "الطائفية" الله يقطعها. ولعل الباري عز وجل قطعها الى الأبد. فقد انحسر مدها وتراجعت شعبيتها. ولكن أخطار الكراهية تظل محدقة بالأجواء طالما استمر التوتر عاليا بين قادة "العملية السياسية". فهؤلاء زعماء. والزعماء يوزعون مشاعرهم وصفاتهم على جماهيرهم.وللأمير علي حكمة تقول أن "قلوب الرعية خزائن راعيها، فما أودعها من عدل وجور وجده فيها". وأيضا ما أودعها من حب وكره. هذا هو حجم مسؤولية الحكام. فما أكبره؟ وهذه المسؤولية تتعاظم أكثر في البلدان التي لم يتحول سكانها تحولا كاملا من "رعايا" الى "مواطنين". وبين النوعين فارق جوهري. ففي السياسة الرعوية يكون الحاكم آمرا والمحكوم مأمورا. وفي السياسة الديمقراطية يكون الحاكم خادما والمحكوم مخدوما. وعاطفة الحب في الثانية أقوى من الأولى، نظرا لقوة الأمان في ظروف الحرية. والأمان، من الجوع والخوف،هو بوابة الحب. فالحب، كما يقولون، يخرج من الشباك اذا دخل الفقر أو الرعب من الباب.وان لدينا الكثير من العسر في الظروف الاقتصادية. وأكثر منه في الظروف الأمنية. وأشد منهما في الظروف السياسية. ومجموع هذه الظروف يصنع تكاملا في موت القلب. ولعل موت القلب أظهر ما يكون اليوم في تصريحات الساسة. فلا تكاد تسمع منها أو تقرأ فيها شيئا يحبب لك الحياة. لكأن ذروة علمهم توقفت عند فكرة أن السياسة بلا قلب! وهذه أسخف فكرة في التاريخ. ولننظر في احتفالات"أم السياسة"هذه الأيام بمناسبة الذكرى الستين لتولي اليزابيث الثانية عرش بريطانيا، حيث الكثير من الحب، وحيث "جزيرة العقل" التي تعلم منها فولتير بأن القلب يمكن أن  يخفق وأن ينتعش تحت سقف السياسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram