علي حسينجميلٌ أن يعرف النائب عزة الشابندر ولو متأخرا "إن غداً لناظره قريب"، ولكن من غير الجميل أن يصور الخلاف السياسي على انه ضجة إعلامية، وأقدّر تماما مدى إحساس قيادات ائتلاف بالألم بعد الطعنة النجلاء الغادرة التي تلقوها من الكتل السياسية الأخرى التي تطالب بسحب الثقة من رئيس الوزراء،
ولكني ومعي الملايين لا نستطيع ان نستوعب الطريقة التي يلجأ إليها مقربو رئيس الوزراء حين يعتقدون أن لا وجود لـ"ندٍّ" أو بديل للسيد المالكي، أو التعلق بخيوط السيد بايدن حين استبدت الرومانسية بالنائب عباس البياتي إلى الحد الذي تصور فيه أن يأتي نائب الرئيس الأمريكي ويضع حدا لأحلام المطالبين بإقالة رئيس الوزراء.يبدو غريبا من قيادات الائتلاف الإصرار على التعلق بأهداب الأمل في أن يتدخل الحظ ويكشف لنا أن النواب الذين وقعوا على عريضة سحب الثقة قد هددوا بالقتل حسب ما اخبرنا القيادي كمال الساعدي. ولأن هؤلاء اللطفاء الظرفاء قرروا ألاّ ينظروا إلى المشهد إلا من خلال مدرجات الحكومة المنتشية بالنصر المؤزر، متجاهلين تماما أنهم مارسوا ولسنوات عملية قتل متعمدة وممنهجة لمظاهر الحياة السياسية في العراق، وإنهم كانوا يستكثرون على الناس أن يفكروا في حكومة تنحاز للناس، مثلما تفتح قلبها وعقلها وخزائنها للمرتشين والسراق.للأسف يصر قادة ائتلاف دولة القانون على التصرف مع قضايا البلاد على هواهم، وينسون أن ذاكرة الناس لن تنسى الابتسامات والهمسات بين المالكي وقادة الكتل السياسية الأخرى ولن تنسى الأحضان والقبلات التي كان يوزعها رئيس الوزراء على الجميع بمن فيهم الهاشمي والمطلك، فما الذي حصل؟ هل أن العراقيين هم الذين أخطأوا حين صدقوا أن رئيس الوزراء يؤمن بحكومة الشراكة الوطنية ثم اكتشفوا فيما بعد ان لاشراكة ولا قرارات حكومية تخرج، ما لم يعد الجميع الى طريق الهداية والصواب ويكفوا عن مشاكسة رئيس الوزراء ومطالبته بالإصلاح السياسي والخدمات ومحاسبة المفسدين وتأسيس دولة المؤسسات لا دولة الافراد والحاشية واعتماد الكفاءات بديلا للمقربين.اليوم يريد رئيس الوزراء جرجرة جميع النواب لشرطة الأدلة الجنائية، مدعيا أن تواقيعهم مزورة، وان ما فعله البعض أصاب سمعة البلاد بجرح لا يشفى وشوه سمعتنا السياسية التي كانت بيضاء مثل القطن. والتهمة التي اشتكى السيد المالكي بسببها أن بعض هؤلاء النواب تجرأ على الذات العليا للبلاد بأن سمحوا لأنفسهم مناقشة الأزمة السياسية، وإنهم تهوروا وقدموا عريضة لرئيس الجمهورية يطالبونه بسحب الثقة من الحكومة، كما أن محاولتهم هذه هي استغلال للحياة الديمقراطية التي يحرص السيد المالكي على صيانتها وإصلاحها بين الحين والآخر.وربما نصاب بالدهشة إذا علمنا أن الموقعين على العريضة لم يكونوا من عينة أولئك الشباب الأوغاد المشاغبين الذين خرجوا الى ساحات الوطن يطالبون بإقامة الدولة المدنية وتأسيس دولة القانون بل، هم من كتل سياسية لها ثقلها في البرلمان، وان كل ما فعله المزورون هؤلاء أنهم حاولوا تقديم قراءة للوضع السياسي الوطني، مبدين استغرابهم من اصرار المالكي على السيطرة على معظم مؤسسات الدولة. ولعل أخطر ما في حديث المالكي ومقربيه، هي لغة الإنذارات والتهديدات، التي تعبر عن إحساس يصل إلى حد اليقين لدى ائتلاف دولة القانون -المفترض أنه يحترم القانون حسب اسمه الثلاثي- أن أعضاءه وعلى رأسهم المالكي فوق النقد وفوق المناقشة، ومن ثم فكل من يقترب منهم بكلمة ستتم محاكمته إن لم يكن أمام محاكم الجنايات، ففي محاكم مخالفة الآداب العامة.ويبقى أن بيان المالكي الأخير لا يعدو كونه "كارت أحمر" يضاف الى سلسلة طويلة من "الكارتات" الموجهة الى الجميع بعدم التحرش بأي حاكم استثنائي يعتقد أن حقوقه فوق حقوق الوطن.
العمود الثامن: المالكي يلوح بـ "الكارت الأحمر"
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:16 م