TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: أكثر قوة من ممارسة الجنس

منطقة محررة: أكثر قوة من ممارسة الجنس

نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:27 م

  نجم واليليس هناك أكثر من الرسائل بالتعبير عن شخصية الإنسان. قل لي الرسالة التي تكتب وأقول لك من أنت. في الأدب، وفي الرواية خاصة يفعل المرء كل ما في وسعه للكف عن كونه نفسه، يخترع عوالم وحيوات أخرى، على عكس ما يحدث له في الرسائل. كل كلمة تُكتب هنا هي بمثابة صورة لكاتبها.
الأمر الوحيد المشترك بين الاثنين هو أنهما يُخاطبان متلقياً. وهو المتلقي هذا الذي يمنح لكل رسالة خصوصيتها وليس العكس. عشرات الرسائل كُتبت قديماً وما تزال (اليوم شكراً لأولئك الذين ما زالوا يصرون على إخلاصهم لهذا الفن الذي يحاول الإيميل والاسم أم أس إزاحته!) وكل رسالة هي كتاب مفتوح يشير إلى إنسان. طبعاً ليس المقصود هنا الرسائل الرسمية ومكاتبات المكاتب، بل القصد هو الرسائل التي يشعر بها الإنسان، إنه لا بد وأن يكتب ما لا تستطيع أن تنطق به شفتاه، وهي رسائل البوح هذه، البوح السري أحياناً، لأن أغلبها يظل حبيس الصناديق، محفوظاً بعناية مثل بقية الأسرار، مرة لأنها ثمينة عند متلقيها لا يريد إشراك أحد معه فيها، ومرة أخرى بسبب الحيطة والحذر والخوف على السمعة، ووحدها هي الصدفة أو موت أصحابها ما يجعلا الطريق سالكاً لكي تظهر تلك الأسرار إلى العيان، والغالب بعد موت الاثنين، كاتب الرسالة ومتلقيها كما حدث للرسائل التي تبادلها الروائي الأميركي أرنست همنغواي والممثلة الألمانية المشهورة مارلينة ديتريش "الملاك الأزرق" (دورها في الفيلم المأخوذ عن الرواية التي حملت العنوان ذاته للألماني هاينريش مان)، لكي نعرف بأن العلاقة التي جمعت الاثنين هي أكثر قوة من كل ممارسات الجنس.مارلينة ديتريش التي من الصعب إحصاء علاقاتها الغرامية ولا عدد الرجال والنساء الذين نامت معهم، لم تنم مرة مع أرنست همنغواي. ففي الوقت الذي نامت فيه مع زملاء ممثلين لها مثل جون واين، جان غابان، يول براينير، فرانك سيناترا، ومغنية مثل أديث بياث وروائي مثل صاحب "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" أريش ماريا ريمارك (من الأفضل ألا نعدهم كلهم وإلا سيمتليء العمود)، حافظت على الاستثناء الوحيد: أرنست همنغواي. وللإجابة على السؤال لماذا فضلت عدم النوم مع صاحب "الشيخ والبحر"، تجيب هي ذاتها "اشتهاء غير مشبع عمره طويل".صحيح أن الجنس هو أحد المواضيع الرئيسية في مراسلات الاثنين، إلا أن الرسائل التي تبادلاها على مدى خمسة وعشرين عاماً تضمنت كل ما أرادا أن ينفضاه عن صدرهما. ما باحه الاثنان لبعض لم يبوحا به لأي شخص آخر. غالباً في رحلاتهما سوية، في فندق ريتز في باريس مثلاً، كان همنغواي يغطس في البانيو ويحلق ذقنه، فيما جلست هي على حافة البانيو تحدثه عن رجالها. علاقة حرة جمعتهما، حتى أن زوجة همنغواي الرابعة ماري لم تعترض عليها.مارلينة ديتريش وأرنست همنغواي كانا قد تعرفا على بعض على متن سفينة أبحرت من الميناء الفرنسي "لاهارفة" إلى نيويورك. كانت في طريقها إلى مائدة العشاء، عندما لاحظت أنها الرقم  13 الذي سيجلس إلى المائدة، ولأن 13 علامة شؤم في الثقافة الغربية (حتى اليوم لا مقعد 13 في الطائرات!)، وضعت يدها على قلبها، لكن ظهور همنغواي جعلها تصبح الرقم 14. حدث ذلك 1934 وكان للممثلة الألمانية "اليهودية" الهاربة من النازيين من العمر 32 عاماً. كانت في قمة شهرتها، أما همنغواي الذي كبرها بعامين، فقد كان هو الآخر مشهوراً بعد روايته "فييستا" (الترجمة العربية للأسف: باريس عيداً للحياة!) والمغامرات التي رويت عنه. تلك كانت بداية صداقة دامت حتى انتحار صاحب النوبل 1961 ، صداقة نتعرف على تفاصيلها الآن شكراً للكتاب الصادر تواً لكاتب سيرة همنغواي، الألماني هانز بيتر رودينبيرغ بالتعاون مع ابنة مارلينة ديتريش ماريا ريفا.في الرسائل تلك التي حواها الكتاب والتي سمحت بنشرها مكتبة كندي في ولاية بوسطن الأميركية، لا نتعرف على الإنسانين أرنست "بابا العزيز" (كما خاطبته مارلينة)، ولا على مارلينة "عشبي الصغير" (كما خاطبها همنغواي)، بل نعرف أيضاً كيف أنهما، هو الروائي المشهور وهي الممثلة المشهورة كانا قريبين من بعض، أقرب منهما لأي إنسان آخر، حبيباً كان أم شريك حياة، سواء بأسطرة أنفسهما، هي على الشاشة وهو عن طريق الإدعاءات "الكاذبة" أو سواء بخوفهما من منح أنفسهما عاطفياً لأحد.همنغواي كان في حقيقة الأمر خجولاً، صحيح أنه مغامر في حياته، لكنه ظل خجولاً أمام النساء، حتى أن البعض يفسر تبجحه المبالغ به وإدعاءه في أكثر من مناسبة، إنه قتل جنوداً ألمان أثناء عمله مراسلاً صحفياً على جبهات الحرب- أمر لم يحدث -، بكونه محاولة منه لإبعاد الجانب اللين، الأنثوي عن نفسه. ليس من الغريب إذن أن يفهم الاثنان بعضهما، يصبحان صديقين تربطهما علاقة أكثر قوة من ممارسة الجنس دون أن يناما مع بعض. مارلينة ديتريش لم تخف رغبتها يوماً، كم أحبت أن تكون رجلاً!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram