حازم مبيضينحين نرفض بشكل قطعي، قرار الجامعة العربية بحجب القنوات الفضائية السورية، ومنع المشاهدين من متابعة وجهة النظر الرسمية، إزاء ما يعصف ببلاد الشام من أحداث جسام، فإن ذلك لا يعني مطلقاً قبولنا بما تبثه تلك الفضائيات، لغةً ومضموناً، بقدر ما يعني فهمنا أن الحرية لا تتجزأ،
وأن دفاعنا عن حق مناوئي النظام السوري بإبداء وجهة نظرهم، وبغض النظر إن كنا معها أو ضدها، لا يسمح لنا من الناحية الأخلاقية على الأقل، بمحاولة كتم الصوت الآخر وتغييبه، ومنع صاحبه من الجهر بوجهة نظره، فتلك ممارسة دكتاتورية، كنا نظن أن أحداث الربيع العربي أتت لكنسها من حياتنا، لا لتكريسها بحجة الدفاع عن هذا الطرف أو ذاك.شئنا أم أبينا فإن للنظام الحاكم في دمشق مؤيدين سوريين، ارتبطت مصالحهم باستمراره، وعربا يرون فيه تجلياً للبعد القومي من جهة، ورمزاً للمقاومة والممانعة، ومن حق هؤلاء ضمن مفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة، أن يكون لهم صوت كما لغيرهم، ونؤكد أننا لا نرى حقاً لأي جهة، في حجب أصواتهم، وكنا نظن أن الثائرين ضد نظام البعث السوري، سيكونون أول المدافعين عن حق الآخر في الجهر برأيه ما داموا يعلنون أن واحداً من أسباب ثورتهم، هو تعنت النظام في منع منابرهم من رفع صوتها بمطالبهم، واستئثاره بكل المنافذ الإعلامية، ليظل صوته هو الأعلى، ولتظل الأفكار التي يتبناها، هي الرائجة بين الناس.الثوار السوريون، إن كانوا يستحقون هذا الوصف، هم الأحوج لسماع صوت النظام، لمعرفة ما يجري في الضفة الأخرى، كما أن النظام نفسه بحاجة لسماع صوت مناوئيه، لمعرفة ما يريدون، وبغير ذلك فإن أصواتاً أخرى، بأجندات هجينة لا نقرها ولا نعرفها، ستتسيد ساحة الفعل الإعلامي، في حين نفتقد صوت أصحاب العلاقة المباشرة، نظاماً ومعارضة، وتلك مفارقة لا يجرؤ على اقترافها، غير مؤسسة كالجامعة العربية، خصوصاً وهي تمر بمرحلة ارتهان لقوىً تريد أن تبني مواقعها الجديدة بكل الأساليب، وتعتمد في ذلك على " فضيلتها الوحيدة "، وهي المال المتدفق بين يديها دون حساب.نتابع الإعلام الرسمي السوري، ونلحظ حالة التخبط والفوضى التي يمر بها، وهي حالة تاريخية تعود لعمر النظام القائم اليوم، بحكم تركيبته، ونتابع أيضاً الإعلام المعادي للنظام السوري، وما أكثره، وبديهي أن معالجة إعلام دمشق للقرار العربي تدينه هو أولاً، وهو يتباكى على حريته التي ستسلبها منه الجامعة العربية، متناسياً أن تلك الحرية كانت مقصورةً عليه، وممنوعةً على الآخرين، حتى أن خبيثاً علق على تلك المعالجة بالقول " فليذوقوا من نفس الكأس التي أجبرونا على تجرعها لعقود طوال "، وبديهي أيضاً أننا لم نكن بحاجة لتذكيرنا عبر الاعلام السوري الرسمي بالمواثيق العربية والدولية المتعلقة بحرية الإعلام، وهي مواثيق تجاهلها ذلك الإعلام طوال عقود. لعل من المفيد اليوم، استحضار تجربة فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات، منذ إصداره أسبوعية الدومري، وهي بالتأكيد لم تكن مناوئة للرئيس الأسد، بقدر ما كانت محاولةً لإعانته على محاربة الفساد، ومعالجة مواطن الخلل، كانت صوتاً عالياً بالتأكيد، وإنما من داخل النظام، ومع ذلك فقد تم وأد تلك التجربة، وبما دفع فرزات إلى مواقع لا نظن أنه كان يريد الدخول إليها، وانتهت التجربة بتكسير يديه، على يد مجموعة ظلت مجهولة حتى اليوم، لنفهم بكل وضوح أن لا مكان لصوت غير صوت النظام في كل أنحاء بلاد الشام.وبعد، للمعارضة الحق في رفع صوتها، وبموازاة ذلك فإن للنظام الحق بعرض وجهة نظره، وبغير ذلك فإننا في الطريق إلى نظام دكتاتوري، سيحكم السوريين بفكر أحادي مستمد من السماء، وغير قابل للنقاش بحكم قدسيته، ولا نظن أن ذلك طموح عند أي سوري.
في الحدث: حجب القنوات السورية.. الحرية لا تتجزأ
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:41 م