سرمد الطائيمع وصول الازمة السياسية في البلاد الى "لحظة حقيقة" صعبة على الجميع، تتصاعد اعتراضات جزء من جمهور القراء الكرام على طريقة تناولنا لمصير رئيس الحكومة نوري المالكي. وهذا الجزء من الجمهور يمثل شريحة عراقية تؤيد رئيس الحكومة الى درجة تعتبر ان انتقادنا له هو "مخطط سعودي قطري" بامتياز، رغم مشاركة اطراف معارضة للسعودية وقطر، في المحور المناهض للسيد المالكي.
القراء الغاضبون يعتقدون انني وامثالي "نقبض من الدوحة والرياض" لاننا نتحمس لتغيير المالكي. كل التبريرات والتصورات التي نقدمها لا تكفي لاقناعهم بإمكانية ان يكون هناك عراقيون وطنيون يحملون وجهة نظر اخرى بشأن سياسي بقي في منصب رئيس الحكومة 7 اعوام دون ان يضيف ساعة واحدة للكهرباء.وعلى امثالي مهما كانت وجهات نظر القارئ الكريم، ان ينصتوا لهذه الاعتراضات، وفي النهاية فإن مهمتنا هي التبشير بصيغة تعايش حديثة تجعل في وسعنا ان نعيش معا رغم كل خلافاتنا النظرية. وهي مجرد "خلافات نظرية" لانني انا والقارئ الذي يعترض علي، وسواء بقي المالكي ام ذهب، سنظل نعيش في بيت بالايجار ونستقل السايبا او الكيا، وندفع لمالك المولدة، ونشم رائحة القمامة التي لا يرفعها احد. ولن ينالنا نفع من الرئيس السابق ولا اللاحق.اقرأ تعليقات غاضبة على "قطر والسعودية" وأسأل نفسي: من الذي يمكنه ادخال الحزن على الرياض والدوحة وجعل العدو يشعر بأن العراق (الذي تكرهه السعودية وقطر كما يفترض القراء) قوي ومستقر، واقدر على الصمود في اطار اللعبة الدولية والاقليمية؟وعبر تمرير شريط الذاكرة القريبة بسرعة، تشعر ان المالكي كان في وسعه ان يثير سخط كل خصومه (سواء كان بينهم السعودية وقطر ام لا) عبر اجراءات بسيطة تعيد بناء الثقة بينه وبين شركائه في ائتلاف السلطة.. لكن المالكي كان يفعل العكس، وكان يتصرف بطريقة تدخل السعادة والفرح على قلوب اعداء العراق اينما كانوا.كان يمكن للمالكي ان لا يكتب بيانه مساء الاثنين بهذه الطريقة التي تتوعد الساسة الذين جمعوا تواقيع سحب الثقة، بالملاحقة الامنية. هل قرأتم بيان المالكي جيدا؟ لقد طلب ان يجري مطابقة تواقيع النواب على ضوء الادلة الجنائية، وطلب من الجهات المعنية ان يأتوا بجامعي التواقيع ويقدموهم الى العدالة "لانها مزورة واخذت بالابتزاز". بينما كان في وسعه ان يستجمع ثقته بنفسه ولا يقدم على اشارة خطيرة وعسكرية كهذه، وينتظر لحظة سحب الثقة، وحينها لن يمكن لزعيم كتلة ان يقوم بتزوير صوت اي نائب في جلسة علنية.. ولن نكون بحاجة لا الى ادلة جنائية ولا الى اعتقال "المبتزين". ان اظهار دولتنا بهذه الطريقة التي تثير السخرية، هو الذي يجعل اشخاصا كثيرين، ينخرطون في نوبة ضحك عارمة سواء في السعودية او قطر او ايران، من خياراتنا في التعامل مع اكبر ازمة واجهناها بعد خروج الجيش الامريكي.الطريقة غير الحكيمة التي يدير بها رئيس الحكومة معاركه، والطاقم الاستشاري الذي لم يجر استبداله ولا تطويره ولا تطعيمه بشخصيات قوية ونافذة وحكيمة، هي التي اوصلتنا الى هذه النقطة الحرجة في العلاقة بين احزاب السلطة، دونما حاجة لدفع سعودي او قطري.العجز عن كتابة نظام داخلي لمجلس الوزراء، وضم الهيئات المستقلة والاطاحة بالقاضي رحيم العكيلي وتهديد صباح الساعدي بالاعتقال لانه ينتقد الحكومة، واعتقال فرج الحيدري، وتهديد اربيل بقطع امدادات البنزين، واصرار المالكي على ان يهيمن على ملف النفط بمفرده دون تشاور مع المحافظات والاطراف السياسية، وانفاق المليارات على مؤسسة امنية تتلقى الهزائم يوميا دون توضيح تفاصيل الفساد التي اهدرت المليارات ولم تأتنا بالخبرة اللازمة، وانفاق 40 مليار دولار على الكهرباء دون نتيجة واضحة... والتعامل المسرحي مع نائب رئيس الحكومة صالح المطلك وسوى هذا من المشاهد المثيرة للسخرية، هي الامور التي تدخل الفرح والسعادة على خصوم العراق في نيكاراغوا او الدوحة او الرياض.اما اذا برهن العراق بكل جراحه المثخنة، على انه يستطيع ان يقوم بنقل سلمي للسلطة، وان يجمع احزابه حول شخصية اقل حدة وعصبية، وان يقوم رئيس الحكومة باستجابة دستورية وديمقراطية لهذا كله دون اي هزات او تهديدات، فهذا بالضبط ما سيجعل اعداءنا وخصومنا (في جمهوريات الموز او الدول العظمى)، يصابون بالحزن ويشعرون ان العراق بدأ ينخرط حقا في شبكة مصالح الدول المتقدمة. وهذه هي "المسؤولية التاريخية" التي يتحملها التحالف الوطني اليوم بالدرجة الاساس، بلا اي شماتة قطرية ولا سخرية سعودية.
عالم آخر: كيف تثير سخط السعودية وقطر؟
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:45 م