احمد المهنا يبدو الخيار في الانتخابات المصرية وكأنه بين "الأمن" وبين "المجهول". شفيق يمثل الأول. ومرسي مرشح الاخوان يمثل الثاني. الأول يعتقد أنه استمرار لنظام مبارك. والثاني نسيج وحده، فلا هو مبارك، ولا هو "الثورة" على مبارك. و"الثورة" بدورها مجهول آخر، قد يعرف أصحابها، ولكن من المشكوك فيه أن تعرف أهدافها.
والناس بين المعروف والمجهول أميل الى الأول، على قاعدة الشيطان المعروف أفضل من الملاك المجهول. وهذا يعني أن فرص شفيق بالفوز في انتخابات الإعادة تكبر. فلا شيء أكبر من الأمان. ولا شيء أهم منه. ان الشعب لا يحب المغامرة. المغامرة لعبة النخبة، وهم أصحاب الفكرة، وأصحاب الثروة. أو الذين يؤثرون في الناس بأفكارهم أو بأموالهم.الأقباط خائفون من الاسلام السياسي، كذلك قطاع السياحة. وهؤلاء يمثلون نحو ربع السكان. أي نحو عشرين مليونا. الجمهور غير المسيس غالبا ما لا يخاف ولا يأمل. وهو أكبر من جماهير مبارك والاسلاميين والثورة معا. والفرق بينه وبين بقية الجماهير هو البعد عن السياسة، واليأس من السياسة. وهذا هو ما يجعلهم لا يقدمون ولا يؤخرون. ولو شاؤوا وحركوا أقدامهم نحو صندوق الاقتراع لقدموا وأخروا.قطاع الآداب والفنون والفكر الحديث بدوره ضد الاخوان. وثروة مصر الكبرى هي هذا القطاع. فمصر هي نخبة العالم العربي الفكرية، كما أن الخليج هو نخبته المالية. وفي احدى مراحل زمن مبارك، بدا أن هذا القطاع قد شكل "جبهة وطنية" مع النظام ضد الاخوان وضد الاسلاميين بالجملة. مبارك ذهب ولم يذهب. وهؤلاء باقون في غالبيتهم على الخوف من أشباح الاسلام السياسي. وهم ضد مبارك مثلما هم ضد الاسلاميين.ان أبطال احتجاج أو "ثورة يناير" هم شباب حديث، غير مسيس، يعرف ماذا لا يريد، ولا يعرف ما يريد. وكان مقتل الشاب خالد سليمان بأيدي الشرطة أولى شرارات احتجاجهم. كانوا اذن ضد التعذيب المعمم، ضد الاستهانة البالغة بالكرامة. تزوير انتخابات 2010 كان الشرارة الثانية. ومعها بلغ الفساد السياسي والمالي مداه. فقد ادار رجال الشرطة والأعمال الفاسدون تلك الانتخابات، لتأتي نتائجها معبرة عن "فراغ سياسي" مفروض، يمهد لتوريث جمال. ثم جاء البرادعي ليشكل الشرارة الثالثة. الرجل"الديمقراطي الليبرالي" كان يبدو الزي الملائم للإحتجاج الشامل على الاستبداد والفساد. كان فسحة التهوية وسط الجو الخانق الملوث. وكان قابلا لأن يكون ممثلا لتطلعات عينة شباب الطبقة الوسطى. هؤلاء الذين قادوا الاحتجاجات واسقطوا مبارك: لكن عند هذا الحد استنفدت هذه العينة طاقتها. وتحول الباقي منها الى مجموعات ثورية بلا عد. وتقدمت القوى السياسية المؤسسة والقديمة، لشغل الجزء الأكبر من ساحة "الثورة": وهي الاسلام السياسي بألوانه، والأحزاب القومية بأطيافها. هاتان هما القوتان الديناميتان الأساسيتان في الساحة. وهما لم يتفقا للآن على التوحد في انتخابات الاعادة. وهما "المجهول" الذي يواجه ما يظن أنه "الأمن" المعروف.ولكن هذا "الأمن" المزعوم هو في الواقع الخوف،متعدد الوجوه والقوى والأطراف، من ديناميات "طريق الثورة" الذي دخلته مصر. ولكنه بمرور الوقت سيجد نفسه مندرجا في نفس الطريق. فالجميع، بمن فيهم مرسي وشفيق، دخل فعليا "طريق الثورة"، طريق الديمقراطية، حيث تستكشف الأهداف، وتتبلور الإتجاهات، من خلال العمل السياسي الذي تحرك بعد سبات طويل.
أحاديث شفوية:خياران أم واحد أمام مصر؟
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:47 م