علي حسين يخبرنا علماء الاجتماع أن الظواهر الفردية لا تنشأ من تلقاء نفسها، وان كل فعل شاذ هو نتاج مرحلة اجتماعية.الطغاة الذين ظهروا على سطح الكرة الأرضية هم حصيلة المناخ الذي أحاط بهم، يقول عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر في كتابه " السياسة كمهنة ": ان في داخل كل منا شريرا خفيا وان الذي يمنع هذا الخفي من الظهور الى العلن هو القانون وقبله الضمير والحرص على الناس.
اليوم يغيب القانون وسط فوضى سياسية ، يريد من خلالها البعض ان يغيب العقل أو يُمنح إجازة ليتوحد الجميع مع مصالحهم الضيقة وطموحاتهم الشخصية . سياسيون لا يفكرون أبعد من اقدامهم ، تراهم يشغلون ماكنة الشتائم ضد كل من يقترب من قلاعهم الحصينة، يتصورون ان كل اعتراض على سلوكهم السياسي هو تدمير وتخريب للوطن ، ولهذا لن يسمعوا حقائق تقول: إن رئيس الوزراء موظف حكومي يخطئ ويصيب ، ومن حق الجميع محاسبته على ادائه الوظيفي ، وان الوطن هو الجميع وليس الفرد الذي يسكن في الاعالي، يقرر مصائر الناس ويغسل الادمغة لتسير مغيبة تهتف باسمه .. دائما وانا انظر الى واقعنا السياسي تأخذني المقارنات مع ساسة صنعوا تاريخا ناصعا لبلدانهم، .. الامر الذي يثير اعتراضات عند بعض القراء ممن يرون في هذه المقارنة اجحافا ، ويعاتبني البعض منهم بالقول: كيف تسنى لك ان أقارن بين ديمقراطيات راسخة ونظام سياسي يتخذ من الطائفية والمحسوبية والانتهازية أدوات تساعده على البقاء على قيد الحياة؟ .. ولأنني أؤمن ان الحياة هي مجموعة تجارب البشر ، نقرأها في كتب التاريخ حيث نرى في واحد منها صورة رئيس وزراء بريطانيا الضخم الجثة ونستون تشرشل ، وهو يعيد كتابة تاريخ بلاده من وسط سريره المحاط بالوسائد وطيوره المفضلة من فصيلة الببغاء وقطته ، باسلوب ماهر استطاع من خلاله العبور من سجل إلى آخر، ولنجده في لحظة من التواضع يقول لاحد الشبان:" نحن جميعاً ديدان " ليلتفت بعدها إلى إحدى السيدات التي اغتاظت وقلقت مما سمعت ليقول لها:" لكن أعتقد بأني دودة براقة".عندما أتذكر ذلك اقول كم كان لي من الحظ، حين قدر لي ان اقرأ كل هذه السير، وان الكتب جمعتني بعدد من صناع التاريخ الحديث. في سيرته الذاتية " الرحلة " يكشف لنا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الجانب الفكاهي والعاطفي في مسألة توليه رئاسة حزب العمال فيروي حادثة في منزل صديق. ويقول إنه كان يتحدث مع غوردن براون ، لمن منهما يجب أن تؤول الزعامة بعد وفاة جون سميث رئيس حزب العمال، فقرر الصديق تركهما منفردين بخروجه من داره.يقول بلير: "بعد نحو ساعة توجه غوردون الى التواليت، فأمضى خمس دقائق، ثم عشرا ثم خمس عشرة... فانتابني القلق. وفجأة رن جرس الهاتف، لكنني كنت ضيفا في المنزل فلم ارفع السماعة.وبعد حين انطلقت ماكينة الرد التلقائي تطلب الى المتصل ترك رسالته. وإذا بي أسمع صوت غوردون وهو يقول: توني، أنا غوردون. أنا محبوس داخل التواليت ولا استطيع الخروج لأن الباب يخلو من مزلاج يفتحه من الداخل.ويضيف بلير بروح من المداعبة: "يبدو أن غوردون استغرق ربع الساعة وهو يحاول العثور على رقم هاتف نِك "الصديق المشترك" للاتصال به. وبعد استغاثته هذه توجهت الى التواليت بالطابق العلوي وقلت له: تنازل لي عن الزعامة والا تركتك سجينا في تواليتك هذا.تذكرت هذه الحكاية والعراق يعيش ازمة سياسية بسبب طلب سحب الثقة من المالكي الذي يعتقد فقهاء دولة القانون ان الجميع أخطأ في التفسير اللغوي والقانوني للمادة " 46 من الدستور"، التي اذا ما تم تفعيلها فستقود البلاد الىالخراب حسب قولهم. فقهاء مصرون على اللعب بنفس طريقة النظم المستبدة وبقوانينها ، ليحولوا البرلمان والحكومة والهيئات المستقلة والاعلام الى دكاكين تابعة الى مكتب رئيس الوزراء المطلوب اليوم ان يكف سرب الفقهاء عن الصراخ وينظروا جيدا بالمراة ويراجعوا انفسهم واخطائهم، ويبحث السيد المالكي عن كلام اخر غير شماعة المؤامرات الخارجية.
العمود الثامن:فقهاء دولة القانون
نشر في: 2 يوليو, 2012: 06:48 م