بشار عليوي يعد الكاتب المسرحي الكُردي العراقي "تحسين كرمياني" من الكتاب المسرحيين الذين نقلوا الثقافة الكردية من خلال نصوصهم المسرحية مستفيداً من مصادر هذه الثقافة وضمنها في مسرحياته التي كتبها. فقد تنوعت أفكار مسرحياته وتعددت موضوعاتها التي أخذها من حياة الشعب الكردي, حيث يعتبر الكاتب تحسين كرمياني من الكتاب المسرحيين الكرد الذين يكتبون نصوصهم المسرحية باللغة العربية واستطاعوا من خلال إجادتهم اللغة العربية أن يعكسوا ما تعرض له الشعب الكردي
من محن وويلات , وتقديمه إلى القارئ العربي سواء داخل العراق أم خارجه, وهو ما تضمنته نصوص الكاتب تحسين كرمياني المسرحية. حيث نجد أن اتجاهات مسرحياته المتنوعة, تعكس طموح الكاتب في جعل المسرح وسيلة ثقافية يمكن الاستفادة من خلالها في تصوير واقع الشعوب الساعية نحو تحقيق وجودها وحبها للحياة والحرية والسلام والوقوف إلى جانب تلك الشعوب من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها الإنسانية، فالحياة غير المستقرة التي عاشها الكاتب تحسين كرمياني ووجوده في مدينة عانت الكثير بسبب تحولها إلى ثكنة عسكرية لسنوات طويلة , قد ساهمت في كتابته لهذه النصوص المسرحية , وبالتالي تضمنت هذه النصوص عددا من الموضوعات التي لها ارتباط بحياة الكاتب الشخصية خلال مراحله العمرية المختلفة. تعدد المرجعيات التي أخذ عنها تحسين كرمياني مسرحياته يعود في الأصل إلى حياتهِ الشخصية والى مستوى ثقافته الادبية, فأفكاره التي تضمنتها نصوصه المسرحية تنبع من قراءته اليومية للواقع العراقي، فهناك حاجة الى تغيير هذا الواقع من خلال تجاوز آثار ما دمرته الحروب، والبدء بحل أزمات الحياة المتراكمة. لقد عاش كرمياني في ظل واقع مرير بدءاً من الجيش وخدمته فيه وسجنه في ما بعد وانتظاره لفرصة حياتية تنقله الى واقع افضل، فالكاتب يدعو الى محاربة الظلم، ومحاربة الدكتاتورية في كل حين ، لأن المسرح لديه ساحة الحقيقة ، ينشد من خلال خطابه المسرحي الاشارة الى ضرورة عدم اقصاء اي احد لمجرد انتمائه الفكري أو الأيديولوجي فالإنسان حر في اعتناق الفكر الذي يراه مناسباً لحياته وتوجهاته الفكرية , فيجد تحسين كرمياني أن المسرح مكاناً مباشراً لطرح أفكاره وما يؤمن به من رؤى إيديولوجية .إن النتائج التي حصلت جراء سياسات النظام السابق والتي تسببت بالجوع ، والحرمان والتهميش والإقصاء والإلغاء والحروب والحصار وتردي أخلاقيات المجتمع جراء غياب الأب أو استخذائه جراء التخدير السياسي وهيمنة الخوف والموت في جبهات القتال أثناء الحرب والهجرة إلى الخارج وسقوط النظام وعدم استقرار الحياة السياسية , جميعها اثرت في توجهات تحسين كرمياني الفكرية ووجدت صداها في نصوصه المسرحية حيث نتلمس حالات فكرية عامة لا تنتمي إلى عرق أو طائفة كمحاربة الظلم والفساد والمطالبة باصلاح العملية السياسية في العراق وإيقاف نزيف الدم العراقي ، كلها رؤى فكرية تبناها الكاتب وشكلت مرجعيات فكرية له، لذا فهو يجد المسرح منبرا للبوح بجميع الأفكار . حيث تعامل كرمياني مع المسرح كساحة لبث العديد من الأفكار التي تضمنتها نصوصهِ من خلال البوح بكل ما لهُ علاقة بالواقع اليومي, لذا فقد لجأ الى التعبير عن ذلك بوسائل عديدة فالمسرح عنده هو وسيلة لإزالة مخلفات النظام السابق وفيه تنفيس عن النتائج ولدتها الحروب وهو العلاج النافع لجميع أمراض السياسة في العراق اليوم ومسببات القتل اليومي بالدم البارد كما أن تبنيه موقفا فكريا رافضا للتهجير القسري الطائفي والعرقي الذي ساد في بعض المناطق والمدن العراقية بين عام 2005 _2008 وتصاعد موجات الإرهاب والانفجارات اليومية التي تحصل في المدن العراقية, وهناك محاولة من قبل كرمياني من خلال نصوصهِ المسرحية لتعرية هذه الأفعال ومن يقف خلفها حيث يحاول تحسين كرمياني الكشف عن أشكال التفرقة بين ابناء الوطن الواحد تحت مسميات عديدة , لذا فهو يسعى الى تسليط الضوء على مفهوم الشعور بالمواطنة لدى جميع الناس على حساب القيود التي فرضتها السياسات الشوفينية للنظام السابق . ان كرمياني ومن خلال نتاجه الأدبي ككل ( مسرحاً وقصصا ورواية ) , يحاول محاربة الفساد المستشري جراء التغيير والسماح بهيمنة الطقوس الغربية على موروثاتنا والشذوذ الحاصل في المدن الصغيرة التي مرت على الاحتراب والتنبيه الى انحدار الجيل الشاب بسبب الحرب ، وضياع الناس في آتون الفراغ الفكري جراء الظروف المعيشية وعدم الاستقرار. ان الاسلوب الذي يتبعه كرمياني في كتابة نصوصه المسرحية يقترب من الاسلوب الواقعي السردي متخذاً من البناء الارسطي التقليدي شكلاً لبناء مسرحياته درامياً كما يلجأ الكاتب في بعض نصوصه الى استخدام عناصر من شأنها الاسهام في ثراء تلك النصوص حيث يستخدم كرمياني عنصر المفارقة والدهشة بفعل سلوكيات شخصياته المسرحية وكذلك كسر افق التوقع من اجل تحفيز المتلقي على متابعة احداث مسرحياته . كما يظهر تأثير مجايليهِ من الكتاب المسرحيين واضحاً عليهِ بفعل علاقتهِ الوطيدة بهم وعن هذا يقول : " التأثر كان في شخصياتهم وحكم الصداقة التي ربطتني بهم، أعني محي الدين زنكنة وصباح الأنباري كونهما الأقرب لي ، فمن محي الدين زنكنة تعلمت الشجاعة في القول ، ومن صباح الأنباري لغة الصمت البليغة ، هذه الصفات هي التي أججت فيَّ مراجل الرغبة في كتابة المسرحيات " , فقد جعل كرمياني من صديقه الكاتب صب
تحسين كرمياني.. الكتابة معرفياً
نشر في: 2 يوليو, 2012: 07:37 م