احمد المهناأحدهما مبدع في عالم الحرف. والآخر مبدع في عالم المسرح. الأول عاش نصف قرن من الغربة. والثاني لبث في الوطن. ذاك في لندن. وهذا في بغداد. والمناسبة التي جمعت بينهما مسرحية "روميو وجوليت في بغداد". الكاتب متفرج والمسرحي ممثل. الأول خالد القشطيني. والآخر سامي عبد الحميد.
كان استاذنا القشطيني جالسا الى جانبي في قاعة مسرح ريفر سايد. وتطلع الى سامي وهو يتألق كعادته على الخشبة وهمس في اذني: انه أكبر مني بعام! كان يغبطه على صحته. سامي يسير على الأرض بقدمين متعافيتين. وخالد يستعين غالبا بالعصا. لم يكن ينقصه أن تكون العصا مساعدا له. فقد ناضل طوال حياته من أجل عالم منزوع العصا.ما السر يا أبا نائل في تفاوت الصحة؟سؤال جيد. لكن الأجود منه ذلك السحر الذي كان يأسرنا بصوته وحركته وتألقه. سامي عبد الحميد على الخشبة ساحر يضيء القاعة المعتمة. هناك متعة واستمتاع بالدور يأخذانه الى أقاصي الحب واللعب، فتشيع من كل ذلك أشياء في الجمهور المشاهد وتسري في عروقهم. كان أكبر ممثلي العرض سنا. ولكن هل كان أمير حسين أصغر ممثلي العرض يقل عنه سحرا؟ كان هذا الصبي الوسيم والمحبوب بهجة أخرى. الاختلاف في العمر، والتلاقي في الموهبة، كان يصنع شيئا أكبر من عالم العرض نفسه، وكان يرمز الى شيء أبعد في المعنى. انه الأمل بالاستمرارية. الأمير الصغير في المسرحية يسير على الدرب الطويل الذي سلكه الأمير الكبير لمسرح العراق.وما بين الأميرين الكبير والصغير أبدع أعضاء فريق المسرحية الآخرون، الذين لا يتسع هذا الحيز لذكرهم جميعا، في تشكيل عرض نشط وحي وأخاذ. أحمد مونيكا الأسمر الجذاب الذي قام بدور روميو، سروة رسول البيضاء الجميلة التي أدت دور جوليت، كلاهما يبعثان، من خلال الشكل كما من خلال الأداء، رسائل مشرقة تخفف من وطأة المأساة التي يمثلانها، والمأساة التي يتحدران منها. ونحن نحتاج الفن أصلا، على رأي نيتشه، حتى لا تميتنا الحقيقة.لقد أمن جميع المساهمين في هذه المسرحية متعة فريدة لجمهور بريطاني عراقي متنوع الثقافات والأعمار. ان بعض المعاني الدقيقة للعمل تفوت على الذين يفتقدون الى خلفية ثقافية عراقية ملائمة. ومنهم ابنتي رباب التي ولدت ونشأت خارج الوطن. سألتها عما أعجبها في العمل فقالت: استمتعت بجوانب حلوة من عراقيتنا،مثل الرقص والنكات والموسيقى. والعمل حار وفيه أمواج من الدراما والرومانسية والكوميديا. شهد العاني شابة من نفس الفصيلة المغتربة تفاعلت هي الأخرى مع العرض. لماذا يا شهد؟ أجابت: انه يجسد معاناة ودمار أمة من خلال حكاية تحتفل بالحب والأمل.بعد نهاية العرض أعدت سؤال أول هذا الحديث على سامي أمام خالد: ما سر شبابك يا رجل وأنت تكبر صاحبك بعام؟ بعد مناقشة سريعة بينهما ظهر خطأ المعلومة. انهما بنفس العمر. كلاهما في الثالثة والثمانين. سامي يعيد اسباب صحته، الله يديمها، الى أشياء عديدة بينها الرياضة وأهمها المسرح حيث في كل وقفة على خشبته تجديد لشبابه .التفت الى القشطيني وقلت: قد تكون هناك اسباب خافية. الفنانون أقرب الى ماء الحياة من الكتاب، والله أعلم!أطال الله في عمر شيخي الكتابة والمسرح.
أحاديث شفوية: روميو وجوليت بين شيخين
نشر في: 2 يوليو, 2012: 08:39 م