علي حسين إلى أين يسيرون بنا ؟ سؤال نسمعه في الشارع والسيارة.. من الموظف إلى العاطل ، ومن ربة البيت إلى الإنسان البسيط الذي يبدو في اوقات كثيرة غير مكترث بما يحصل. أكثر من سياسي وإعلامي يفترض أن لديه ولو إجابة بسيطة عن هذا السؤال أفاجأ به يقول : " إلى أين نحن ماضون ؟ " لذلك أجد نفسي اردد : كان الله في عون البسطاء الذين تطحنهم الحياة كل يوم.
كثير من العراقيين ملوا السياسة وألاعيبها وأصبحوا لا يهتمون لما يغرد به أمراء الطوائف.. الا ان الأزمة السياسية الأخيرة وتضارب الأخبار عنها جعلت غالبية الناس تصاب بالحيرة وتدخل في دهليز اظلم لا ضوء فيه. بعد 2003 اعتقد غالبية الناس ان ذهابهم الى صناديق الاقتراع سيفتح أمامهم عالما جديدا .. ففوجئوا بأن قادة العراق الجدد يحدثون كل يوم شرخا في جسد الوطن ونسيجه الاجتماعي.. كانت الناس تعتقد أن الانتخابات ستكون مرحلة انطلاق نحو الديمقراطية فإذا بهم يكتشفون أنها مرحلة انطلاق نحو الطائفية واللصوصية والانتهازية السياسية. لعل ما جرى في الأزمة السياسية الأخيرة كان تجربة عملية على حرق كل اثر للديمقراطية وقد كان مشهد الصراع المقيت على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز. وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد 2003 فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا ان بينهم اليوم أكثر من منافق وانتهازي. في كل يوم تصحو الناس على خبر غريب وفي منتصف النهار يتفاجؤون بخبر آخر لا علاقة له بما قبله ، وفي المساء يخبرونهم بأن الخبرين غير صحيحين وأن هناك خبرا جديدا سرعان ما يتغير.البعض يتهم الاعلام بأنه سبب هذه الفوضى، لكن الحقيقة تقول ان الساسة هم سبب رئيسي في الترويج لمثل هذه الفوضى ، وهم وحدهم يتحملون كل الخراب الذي حل بالبلاد والناس. ينسى أمراء الطوائف ان أحد ملامح استقرار الحكم وكفاءته أن يعيش الناس في ظل توافق سياسي ومجتمعي شامل يؤدى إلى إنتاج رؤية واضحة طويلة الامد ، ويترجم على ارض الواقع ذلك من خلال قوانين وقرارات. كل يوم نسمع عن قرارات جديدة لنكتشف فيما بعد أن ما يجري مجرد لعبة يريد من خلالها البعض الحصول على اكبر قدر ممكن من المكاسب والامتيازات والمنافع.. لعبة تصور الجميع من خلالها أن الأصوات التي حصلوا عليها من صناديق الاقتراع منحتهم كارتا اخضر للتصرف بمقدرات البلاد والعباد ، تصوروا أنها تفويض الهي مطلق بمصائر الناس ، ليكتشف الناس في النهاية انهم امام تنظيمات سياسية من السهل اكتشاف أنها بلا خبرات سياسية وادارية .. وانهم مجرد دكاكين سياسية تفتح نوافذها وابوابها لمن يدفع اكثر . المراقب لما جرى في الأيام الماضية يكتشف أن البعض مصر على أن يدخل البلاد معه إلى المجهول ، والسبب لأنهم لا يملكون الحد الأدنى من القدرة على ترجمة طموح الناس بدولة ذات مؤسسات قادرة على إدارة البلاد، اليوم بات على السياسيين أن يفكروا بعمق في أسباب تحول مشاعر الناس ضدهم، وأن يسألوا أنفسهم لماذا لا تثق الناس بهم، وبالطبع لا يوجد عاقل يثق بهكذا سياسيين لا يملكون القدرة على اتخاذ قرارات صحيح لمدة 24 ساعة .نحن اليوم أمام سياسيين جمعوا من السلبيات والمساوئ ما يتجاوز كل الحدود.. و أساءوا للعملية الديمقراطية من خلال إصرارهم على التعامل مع مؤسسات الدولة على أنها قاعات لإبراز العضلات وللشحن الطائفي، لقد مرت مرت الأسابيع الماضية مشحونة بحراك سياسي كانت الناس تأمل أن تتخذ من خلاله قرارات تصحح مسار العملية السياسية ، لكن في النهاية لم يسفر الامر عن شيء أكثر من أوراق ستضاف إلى أرشيف كوميديا النظام الديمقراطي في العراق التي لم تعد تتمتع بأية نسبة من المشاهدة. لقد فشلوا جميعا وبامتياز في الامتحان السياسي عبر الأداء الكاريكاتورى خلال السنوات الماضية .. والآن تثبت بعض هذه القوى عجزها وعدم قدرتها على لجم طموحات الساعين لاقامة دولة الحزب الواحد.
العمود الثامن: اخطأنا عندما صدقناهم
نشر في: 3 يوليو, 2012: 07:21 م