حسين عبدالرازقرغم أخطاء وخطايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ توليه إدارة البلاد في 11 فبراير 2011، فقراره الأخير بإنهاء حالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ 6 أكتوبر 1981 والتي تم تمديدها عدة مرات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك لتعيش مصر في ظل حالة طوارئ لمدة 30 عاما و7 أشهر و25 يوما، يستحق التحية والإشادة، خاصة إذا تذكرنا أن مصر تعيش في ظل حالة طوارئ شبه دائمة منذ الحرب العالمية الثانية عام 1939.
فقد أعلنت الأحكام العرفية في سبتمبر 1939 بسبب بدء الحرب العالمية الثانية واستمرت 6 سنوات حتي نهاية الحرب عام 1945، ويقول القاضي الجليل يحيى الرفاعي رئيس نادي قضاة مصر الأسبق «.. حين بدأت السلطات المصرية في تطبيق قانون الطوارئ «الأحكام العرفية» لأول مرة إعمالا للبند السادس من معاهدة 1936 تنصلت الحكومة المصرية من القرار، فبناء على طلب المستعمر في 1 سبتمبر 1939 وبمناسبة الحرب العالمية الثانية قدم ممثل الحكومة المصرية مرسوم إعلان الأحكام العرفية «حالة الطوارئ» إلى البرلمان معتذرا عن ارتكاب الحكومة لهذه الفاحشة، فقال «إن قانون المعاهدة أراد أن يثبّت نظاما خاصا لا شبيه له في أي بلد من البلاد، وهو نظام الأحكام العرفية بوصف أنه مساعدة أو تسهيل لحليف - يقصد المستعمر - وبهذا لا يرد على الأحكام العرفية صورة إصدار قرار بالاستمرار أو الإلغاء تبعا لاعتبارات ذاتية لمصر، وإنما تقوم وتسقط بقدر ما يتعلق بهما شرط الطلب أو العدول من جانب الحكومة الإنجليزية تنفيذا لأحكام قانون المعاهدة، فالحكومة تعتذر بأنها مغلوبة على أمرها إذ أكرهت على ارتكاب هذه الفاحشة رضوخا لإرادة المستعمر وتنفيذا للمعاهدة».وأعلنت حالة الطوارئ مرة ثانية في 13 مايو 1948 بسبب حرب فلسطين واستمرت سنتين، وأعلنت مرة ثالثة عقب حريق القاهرة في 26 يناير 1952 واستمرت أربع سنوات وخمسة أشهر حتي يوليو 1956، وفي نوفمبر 1956 وبمناسبة عدوان إنجلترا وفرنسا وإسرائيل «العدوان الثلاثي» في 29 أكتوبر أعلنت حالة الطوارئ مرة رابعة واستمرت سبع سنوات، وأعلنت مرة خامسة إثر العدوان الإسرائيلي في 5 يونيو 1967 ولمدة 13 عاما، وأخيرا أعلنت حالة الطوارئ مرة سادسة في الساعة الرابعة من مساء 6 أكتوبر 1981 بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ليستمر العمل بها حتى 31 مايو 2012!!وقانون الطوارئ القائم حاليا هو القانون رقم 162 لسنة 1958 وتعديلاته، وهو أسوأ بكثير من قانون الأحكام العرفية الذي طبق عند إعلان حالة الطوارئ عام 1939، فالقانون يعطي للحاكم العسكري العام «رئيس الجمهورية أو من ينيبه» عند إعلان حالة الطوارئ الحق في وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة والمرور في أماكن وأوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص في تفتيش الأشخاص والأمكان دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، والأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وجميع وسائل التعبير والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها، وتعطيل وإغلاق أماكن طبعها، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال «السخرة»، أو الاستيلاء على أي منقول أو عقار، وسحب تراخيص الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها، وإغلاق بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها، ولرئيس الجمهورية - طبقا لقانون الطوارئ - إضافة وتوسيع هذه السلطات إذا أراد!!وقد استخدمت حالة الطوارئ المعلنة منذ 6 أكتوبر 1981 في اعتقال عشرات الآلاف من المواطنين، وطبقا لبيانات مكتب التظلم من أوامر الاعتقال التابع لمكتب النائب العام فقد اعتقل خلال الفترة من مارس 1986 وحتى فبراير 1989 (أي قبل تصاعد ظاهرة الإرهاب في الفترة من 1991 والتي بدأت باغتيال د. فرج فودة حتى جريمة الأقصر 1997) 12472 معتقلا، وبرزت في هذه المرحلة ظاهرة اعتقال مئات من آباء وأخوات وأبناء وزوجات المطلوب القبض عليهم، واعتبارهم رهائن حتى يسلم المطلوبون أنفسهم.واعترفت وزارة الداخلية - للمرة الأولى والأخيرة - في يوليو 1994 أن عدد المعتقلين لديها 10 آلاف معتقل، وقدرت منظمات حقوق الإنسان عام 1995 أن عدد المعتقلين وصل إلى 16708، وفي نوفمبر 1993 تقدم 27200 معتقل بتظلمات من أوامر اعتقالهم لمكتب النائب العام، ويتجاوز عدد من تم اعتقالهم في السنوات الثلاثين الماضية 70 ألفا.ومن أخطر الظواهر التي صاحبت هذه الاعتقالات ما أطلق عليه «الاعتقال المتكرر»، أي إعادة اعتقال من يفرج عنهم القضاء دون أن يغادروا أبواب السجن، رغم تكرار صدور أوامر إفراج نهائية من المحكمة المختصة.والظاهرة الأخطر التي صاحبت وتصاحب حالة الطوارئ هي ظاهرة التعذيب، لقد تعرض «الإخوان المسلمون» للتعذيب في ظل حالة الطوارئ أعوام 1948 و1954 و1956، وتعرض الشيوعيون للتعذيب عام 1959، وسقط أكثر من شهيد لأولئك وهؤلا
مصر.. إلغاء حالة الطوارئ بعد أكثر من 30 عاماً
نشر في: 3 يوليو, 2012: 07:24 م