TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > سقط طاغية ولم يسقط الطغيان!

سقط طاغية ولم يسقط الطغيان!

نشر في: 3 يوليو, 2012: 07:26 م

محمد ناجيمن المثير للاستغراب أن نطالع كتابات لمثقفين وكتّاب محترمين عن حوادث جسيمة وظواهر سلبية ، وبعضهم يبعث برسائل ومناشدات الى مسؤولين ورجال دين ، وينتظر منهم معالجة ما يعتقده أخطاء وممارسات فردية ارتكبها فلان أو علاّن من المسؤولين أو حاشيته ومستشاريه ، في هذا المنصب أو الموقع هنا أو هناك . أي أن هذه الممارسات عفوية وفردية ، وليست مظهرا ونتيجة لنهج محدد وخط سياسي عام وشامل !
ويبدو أن هؤلاء الكتاب ، وبعد كل سنين الخراب ودوامة الأزمات ، لم يدركوا بعد إن سقوط الطاغية وسلطته لا يعني بالضرورة سقوط الطغيان . فالطاغية فرد يشيّد منظومة للطغيان تضم سياسيين ومثقفين ، تصفق له ليلا ونهارا ، وتتناغم معه وتتبادل الأدوار حتى يصبح (السلطان ظل الله في الأرض) ، وبذا تترك في المجتمع أثرا لا يزول (بنسيان الماضي) ولا يمكن أن  يمحى بمجرد سقوط الطاغية ، بل بنهج بديل ونظام سياسي وثقافي مغاير يعتمد الإنسان ، المواطن ، محورا له . وهذا مايجعلنا نؤكد ، من خلال متابعة لما ينشر وللوقائع اليومية ، على أهمية التذكير بأن نظام الاستبداد والطغيان السابق (ككل  الأنظمة المشابهة) قد قام واعتمد على ركيزتين :الأولى : مؤسسات القمع كالجيش – الحرس الجمهوري – الحرس الخاص – الشرطة – الأمن – الأمن الخاص – الاستخبارات - المخابرات ..... وغيرها . والثانية : مؤسسات الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وملحقاتها من منظمات ومؤتمرات ومهرجانات ، وبالطبع جوقة من المطبّلين والمزمّرين في شتى حقول المعرفة والفنون والآداب ، عراقيين وعرباً وأجانب ، ممن يطلق عليهم (وعاظ السلاطين) .  وقد خرجت العناصر المؤثرة لهاتين الركيزتين سالمة ، بسبب الطريقة التي حدث بها إسقاط النظام السابق ، والجهة التي أسقطته ، التي سمحت بذلك ، رغم إنها قامت – ممثلة بإدارة بريمر – بحل مؤسسات القمع والإعلام كغيرها من مؤسسات الدولة العراقية . وقد توزع هؤلاء ، بمختلف مستوياتهم واختصاصاتهم بين مواصلة العمل من دول الجوار ، أو العمل المباشر داخل العراق مع قوى الإرهاب ، أو الالتحاق بالتنظيمات السياسية الجديدة ، ومن ثم الدخول إلى مؤسسات النظام الجديد والعملية السياسية ، سواء داخل السلطة أو خارجها ، وعلى أعلى مستوى !  وهنا تكمن العلة والطامة الكبرى في كل ما يجري في العراق . فبعد أن سقط صدام ونظامه ، وخرجت عناصره من الباب عادت لتدخل من الشباك ، وبعضها دخل معززا مكرما  من الباب ! في حين كان منتظرا أن يبدأ نهج سياسي وثقافي مختلف ، ديمقراطي حقيقي وإنساني ، وهذا لم يحصل للآن ، لأنه – بصراحة - يمثل حلما وتصورا غير واقعي ، يعكس قصورا في معرفة حجم الخراب النفسي والفكري والاجتماعي الذي سببه النظام السابق ، وفي فهم طبيعة القوى السياسية العراقية الفاعلة ، التي كانت تعارض صدام لشخصه وليس لنهجه . وهذا  انتبه له وسبقنا في الإشارة إليه (إسماعيل شاكر الرفاعي) في كتابه - تشريح الاستبداد النظام العراقي نموذجا -  والذي كتبه في دمشق وصدر عام 1999 ، أي قبل أربعة أعوام من سقوط صدام ونظامه حيث جاء في صفحة 8 (( أي أن تصورهم - المقصود المعارضة العراقية يومها . م.ن - لمستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع ، بعد رحيل الدكتاتورية ، لا يختلف عن شكل العلاقة القائمة بينهما الآن ... إنهم الضحايا الذين يماهون وعيهم في وعي جلادهم ، فهم لا يعارضون طريقة في الحكم أو منهجا في السياسة بل شخصا بعينه ، فكما حول صدام العراق إلى ضيعة ، يريد هؤلاء إعادة إنتاج الاستبداد والدكتاتورية .)) . وهذا ما علينا الاعتراف به ، وإن جاء متأخرا ! وقد بدأنا ، اليوم ، نسمع أصواتا متزايدة لمثقفين تشترك في هذا التصور ، وإن كان على استحياء ، وتؤكد على أن الوضع لم يتبدل بعد سقوط الطاغية ، وأن ثقافته لا تزال فاعلة ومؤثرة في الشارع ، بل أفرزت مظاهر سلبية جديدة ومستوى أعلى من الفساد والمحاصصة الطائفية والقومية والدينية ، والاستخفاف بحقوق المواطن وعقله . فنظامنا (الجديد) وطبيعته المزركشة بالمظهر الديمقراطي ، لم يحتفظ فقط بإرث الطغيان ، في تقديس وتعظيم الشخص صاحب السلطة باختلاف أشكالها ومستوياتها ، والخطاب السياسي العاطفي ، والنظرة الدونية للمواطن ، والمكرمات بدل القانون والدستور والمؤسسات ، وتهميش الآخر المختلف وتغييبه وتصفيته معنويا وماديا ، وتشجيع السلوكية الوصولية والانتهازية على حساب النزاهة والكفاءة المهنية والشخصية ، وإشاعة الولاء للمكونات الصغرى – العائلة – المدينة - الحزب – الطائفة ... على حساب الانتماء والولاء للوطن ، بل ذهب أبعد من ذلك حين احتفظ بالكثير من أيتام النظام السابق ، في أكثر من موقع ومكان – مجلس النواب ، مؤسسات رئاسة الدولة والوزراء ، الجيش والشرطة ، السفارات ، الجامعات ومؤسسات التعليم - النقابات ، اتحادات الأدباء ، مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها - وبدون أن يحتاج هؤلاء لإدانة النهج السابق وتغييره ، بل يكفي مجرد تغيير الولاء ، وإن كان شكليا ، وهذه عملية سهلة لديهم فيها خبرة وبراعة منذ أيام النظام السابق ، ولا تحتاج لجهد يذكر لمواصلة السير مع (النظام الجديد

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram