بغداد/ نداء فؤادلم يكن أمام الأم إلا البكاء والنحيب على ما آلت إليه حال ابنتها، بعد أن بدت وكأنها جثة هامدة تسيل الدماء من رأسها إثر ما تلقته من ضربات قوية على الرأس بمفك حديدي كان يحمله شقيقها! الفتاة (خ-ع) التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما، والتي أصبحت بعد الدور المغيب للأب وإلام ضحية لتسلط الأخ الأكبر..
الآن تقبع في مستشفى الأمراض العقلية في محافظة بغداد. حدث هذا بعد مشادة كلامية بين الأخ (ن-ع) البالغ من العمر واحد وعشرين عاما وأخته، ما أوصله إلى حالة عصبية شديدة لأن أخته (لم تسمع كلامه)!! خصوصا وانه الأخ الأكبر وهو رجل البيت وكلامه يجب أن ينفذ.rnوالآن من المجنون؟لعله السؤال الذي يجب فعلا طرحه أمام ما حدث لهذه العائلة من جراء السلطة المرتبكة للأخ على أخته وغياب الوجود الحقيقي للأب والأم، اللذين حجّم دورهما أمام الابن إثباتا لشخصيته وإظهاراً لذاته وكيانه ما جعله يصبح وحشا لا يقف أمامه شيء .مع تسابق حسرات الندم في صدرها اعترفت الأم بأن تربيتها الخاطئة كانت السبب وراء ما حدث لأبنتها حيث قالت: لقد قمت بتربية أولادي على نفس منهج تربية عائلتي لي، فقد كبرنا على طاعة الأخ وكانت له سلطة مطلقة علينا أنا وأخواتي وهذا ما طبقته ومنحته للأسف لأبني وأنا نادمة بسبب تلك التربية الخاطئة... ولم أكن أتصور أن العنف سيؤدي إلى هذه النتيجة المأساوية , ونحن الآن نتشارك الندم على ما فعلناه جميعنا وعلى ما آلت له حالة ابنتي المسكينة.جذور المشكلةتقول مروة السامرائي، طبيبة نفسية: عندما تبدأ ملامح شخصية الرجل الشرقي بالظهور يكون الشاعر الأول فيها هم إفراد الأسرة، وخاصة إذا كانت لدى المراهق أخت اصغر منه فهي سوف تكون الضحية ويكون عليها الاستماع بحرص لأوامره وتنفيذ رغبات الأخ بحذافيرها، ذلك الأخ الذي أصبح فجأة رجلا وعليها احترامه وتنفيذ ما يطلب، ومع الأسف أن غالبية العوائل يكون دور الأب والأم فيها مغيبا عما تعانيه البنت نفسيا ومعنويا من هذه الظاهرة الاجتماعية التي تنخر كيان الأسرة, وفي بعض الأحيان يجد الأهل في هذه السيطرة أهمية لكي تكتمل شخصية الرجل لدى ابنهم المراهق، ويزداد حجم سلطة الابن مع زيادة انشغال الأب حيث يشعر الأخ هنا بأنه رجل البيت ويجب أن تطيعه أخته لأنه يحمل امتيازات كونه الذكر وهي الأنثى, فيمارس سلطته بنوع من الاستبداد والديكتاتورية في حين أن البنت تسعى للتخلص من جميع الضغوط والقيود التي تتفاقم أحيانا لتصبح ردة فعل قاسية، تنتج عنها عواقب وخيمة ومشاكل كبيرة يقف عندها الأهل ملقين باللوم على البنت متجاهلين معالجة المشكلة من جذورها.rnانقياد أعمى للأعراف السائدةوترى السامرائي أن التسلط والانقياد لتنفيذ رغبات ذلك الشخص ممن هم أقل قوة منه , ظاهرة اجتماعية أثمرها القهر السائد في جميع شرائح المجتمع , وانعدام الديمقراطية والحرية التي هي أساس الحياة, إذ تعطي مجالا للرأي والتعبير والثقافة , لافتة الى أنه بغياب الحرية والديمقراطية يصبح المجتمع مطيعا ومذعنا لما هو سائد في تكوينة المجتمع من دون الالتفات للآثار السلبية الناتجة عن ذلك الانقياد الأعمى. مشيرة إلى أن هناك دراسة بحثية أجراها أحد علماء النفس إبان الحرب العالمية الثانية حول الانصياع والانقياد , أراد بها الباحث أن يفسر أسباب الانصياع والانقياد للأوامر , فوجد أن حوالي 70-80% يقبلون أوامر الذين هم أعلى منهم أو لديهم سلطة عليهم, وهذا جزء من طبيعة البشر كما تقول السامرائي, والمطلوب من الآباء والأمهات ألا يتخلوا عن مسؤوليتهم ودورهم من اجل أن لا يتمادى الابن في سلطته ولا يتجاوز حدوده , ولذا يجب إيقافه عند حده, وإعطاء البنت حقوقها التي تجعل منها قانعة بما يجري غير ناقمة على الأهل لعدم تقديرهم واحترامهم لمشاعرها.
العنف الأسري فايروس خطر ينخر بجسد المجتمع
نشر في: 3 يوليو, 2012: 08:20 م