حازم مبيضين بغضّ النظر عن الموقف من شخص السيد المالكي, أو حزبه أو حكومته, فإن المطالبة بمنعه من الترشح لولاية ثالثة أو رابعة, يمثل اعتداءً على الدستور, الذي لم يبحث هذه المسألة, ولم يحدد عدد المرات التي يحق لسياسي فيها تشكيل الوزارة, مثلما يمثل اعتداءً على الديمقراطية, التي تقول بديهياتها بحق من يحصل على الأكثرية النيابية, بتشكيل الحكومة, اعتماداً على التفويض الشعبي الممنوح له,
أو لحزبه أو الائتلاف الذي يقوده, ولسنا على دراية بأن واحدة من الديمقراطيات العريقة, تلجأ إلى تحديد عدد المرات التي يحق فيها لشخص تشكيل الوزارة.رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير شكل الحكومة 3 مرات قبل أن ينسحب بإرادته, ولا نظن أن أحداً في العراق, يؤمن أن ديمقراطية ما بعد صدام حسين في العراق, تتقدم على ما هو سائد في بريطانيا, وإذ نسوق المثال من أعرق الديمقراطيات المعروفة, فإننا لانساوي بينها وبين العراق, حيث تتم ممارسة العمل السياسي فقط على أسس طائفية, إذ نلاحظ توصيف كل عامل بالسياسة العراقية بانتمائه الطائفي, فهذا شيعي وذلك سني وذاك مسيحي, وهكذا فإن السياسة في بلاد الرافدين ابنة شرعية للطائفية, وهي لا تقوم على برامج تتقدم بها الأحزاب إلى الناخبين, أو يتم حشد الأعضاء على أساس الإيمان بها.في التحشيد الأخير ضد السيد المالكي, كانت معظم الاجتماعات تتم علناً تحت يافطات طائفية, حتى أن سياسياً جاء من خلفية عشائرية لم يتورع عن إعلان تأييده للمالكي, لأن الشارع السني مفتت حسب وصفه, وعلى اعتبار أن معارضي رئيس الوزراء هم فقط من هذا الشارع, وليس لأحد منهم صفة سياسية كأن يقال يميني أو يساري, وفي بلد يتم فيه تصنيف العاملين في الحقل العام, على أساس انتمائهم الطائفي, سيكون الحديث عن أية تطبيقات للديمقراطية لغواً لاطائل منه, وسيكون الحديث عن الالتزام ببنود الدستور, مجرد لهو في الأوقات الضائعة على المواطن العراقي, الذي يعيش مأساة دولته الفاشلة.غرائبية الحال الراهن في العراق, لاتنبع من الجهل بأصول اللعبة الديمقراطية فحسب, وإنما من محاولة تطويعها لغير ما هي له في الأساس, وإلا فكيف نفهم مطالبة المالكي اليوم بعدم تشكيل الحكومة المقبلة, وكأن نجاحه مضمون, ولماذا تأجيل المطالبة بخروجه من الرئاسة, إن كان أداؤه اليوم سيئاً, وهل يحتمل العراق رهنه للمناكفات والمماحكات بين ساسة طارئين على إدارة الدول, تتلون مواقفهم بغير ألوان بين ليلة وضحاها, ويتنقلون بين المعسكرات المتصارعة, وكأن الواحد منهم يتنقل بين غرفتي النوم والجلوس في بيته.يطلق الساسة الذين ابتلي بهم العراق مطالباتهم دون أي تفكير بإمكانية تحقيقها, أو آليات ذلك, أو مدى توافقها مع منطق الأمور, قبل أن نتحدث عن كونها تأتي تحت مظلة الدستور, الذي ينبغي تذكيرهم بتضحيات العراقيين لإقراره, على ما فيه من ثغرات, والثابت أنه في ظل هكذا وضع, فإن السيد المالكي سيظل رئيساً, اليوم وغداً, وإلى أن يتقن العاملون في حقل السياسة العراقية اللعبة الديمقراطية, تحت سقف الدستور, وتتعلق مطالبهم بمصالح شعبهم, وليس بما يطلبونه لأنفسهم وتنظيماتهم الحزبية, وحتى لطوائفهم, من تمييز عن بقية خلق الله.
في الحدث :ولاية ثالثة للمالكي.. لماذا لا ؟
نشر في: 3 يوليو, 2012: 08:47 م