 سرمد الطائي تحرص كتلة السيد نوري المالكي وبعض مكونات الائتلاف الوطني، على القول بأن ملف سحب الثقة والاستجواب انتهى بمشروع للإصلاح. لكن جدول عمل الإصلاح هذا غير واضح حتى الآن. نتساءل أولاً: لماذا لم نسمع هذه النغمة قبل 19 أيار الماضي، أي قبل اجتماع النجف الذي طلب استبدال رئيس الحكومة؟
ونتساءل ثانية حول مدى قناعة رئيس الحكومة بحاجة سياساته إلى إصلاح؟ ذلك إن الكتلة الشيعية تتحدث عن إصلاح سياسات المالكي، بينما يبدو هو غير مقتنع بذلك ويريد أن يقوم بإصلاح غيره.وسوى هذا، فما هي الخطوة التالية التي ستصدر عن المالكي؟ هل سيقوم بتهدئة الجبهات والتواصل ايجابيا مع أطراف الشراكة في الحكومة الائتلافية؟ متى سيرتكب خطأه المقبل، وهل سيصبر بلا أخطاء مدة طويلة؟ هل سيتوقف عن كتابة المسرحيات الأمنية والسياسية. وعلى سبيل المثال فقد قام باعتقال 3 آلاف شخص في بحر 48 ساعة بتهمة انقلاب مضحكة ثم قام بنسيانها بعد أسبوعين دون أيّ شعور بالمسؤولية، ولم يحدثنا احد عن حقيقة ذاك "المسعى الانقلابي" الذي وضع 3 آلاف عراقي من الموصل إلى البصرة في السجون خلال 48 ساعة. فهل سيعني الإصلاح أن المالكي سيتوقف عن تكرار مثل هذا السلوك؟ترى ما نوع الإصلاحات التي يريد السيد إبراهيم الجعفري اقتراحها؟ إننا اليوم نشهد تلكؤا في توفير الأجواء المناسبة لانتخابات مجالس المحافظات، وهو ما اضطر مفوضية الانتخابات إلى إعلان تأجيلها. لا احد وفر الميزانية المالية المطلوبة للتحضير، ولا المتطلبات الأخرى. هل هذا فأل خير لإصلاحات السيد الجعفري؟هل يمكن للإصلاح أن يضع حداً لخروقات الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية، وفوضى سيطراتها وتحركاتها وإنفاقها المالي وتسليحها.. وملف الاستخبارات الشائك والمليء بالفشل؟لقد بقي البرلمان جاهلا بما يجري داخل المؤسسة العسكرية. وبقي الجمهور والصحافة جاهلين بما يجري داخل المؤسسة العسكرية. وبقي الجميع يتفرجون على الخروقات الرهيبة لسنوات دون أن يفهموا لماذا يعجز المال الهائل عن إنشاء وحدات استخبارية شاطرة لا تتعرض الى 20 هزيمة في ساعة واحدة، كما يحصل بين الحين والآخر.دماؤنا التي تسيل بهذه الطريقة نتيجة تبديد الجهد والمال، هل سيشملها إصلاح السيد الجعفري؟ هل سنشهد تمكينا للبرلمان من مراقبة كيفية إنفاق المال الهائل على المؤسسة العسكرية او المجالات الحساسة الأخرى؟هل سيتوقف السيد المالكي عن اللجوء للمحكمة الاتحادية بهدف تقليص المزيد من صلاحيات البرلمان؟ هل سيتوقف عن مسعاه لتحجيم كل السلطات المستقلة والقبض على كل شيء بمفرده؟نائبة بارزة في البرلمان السابق تقول إنها استقلت مع اللجنة المالية النيابية في الاطلاع على حسابات مجلس الوزراء، دون جدوى. آخر مرة حاول البرلمان تدقيق الحسابات كان هناك من يقوم بتعطيل أجهزة الكومبيوتر التي خزنت داخلها الجداول والبيانات، كما أفادت شذى الموسوي عبر حديث لجريدة المدى قبل أسبوعين. هل سيشمل إصلاح السيد الجعفري، "تصليح" أجهزة الكومبيوتر المعطوبة في مجلس الوزراء؟حتى حلفاء المالكي يجأرون بالشكوى من طريقة إدارته للدولة. محافظ البصرة حليفه ومن كتلته، قال منتصف الشهر الماضي إن مجلس الوزراء يعطل اكبر 4 مشاريع إستراتيجية في البصرة. الصحفيون سألوا السيد مقتدى الصدر في اللقاء الأخير الذي بثته محطات التلفزة، عن وزرائه. فتحدث لهم عن تلكؤ المشاريع بسبب تلكؤ "التوقيع" القادم من السلطة الاعلى من سلطة الوزراء. هل سيشمل الإصلاح، إصلاح هذا التلكؤ الذي لا نعرف مغزاه، والخاضع بالتأكيد لحسابات تجارية وسياسية بعضها مشوب بالممالأة لهذه الشركة أو تلك، من الكارتل التجاري المتحالف مع رئيس الحكومة؟وزير بارز يقول إن السيد المالكي يطرح اخطر القرارات في آخر خمس دقائق من اجتماع مجلس الوزراء، ويطالب الوزراء بالتوقيع. وحين يطلبون النقاش يقول لهم: لقد ناقشت الموضوع مع الخبراء وانتهى كل شيء. هل سيشمل الإصلاح هذه الإدارة الغريبة العجيبة لأخطر الملفات داخل الحكومة.كتلة المعترضين على المالكي قد تهدئ الجبهات كما يقال، والمالكي نفسه قد يتوقف فترة قصيرة عن ارتكاب بعض الأخطاء. لكن الخروقات الرهيبة في كل شيء يجب أن تخضع لمناقشات علنية، عبر الاستجواب او ما يرقى الى مصافه. المطلوب ليس مجرد إصلاحات أو "تصليحات"، بل مراجعة ومحاسبة عميقة على كل الخروق التي يصر عليها رئيس الحكومة، وبدون هذا فإن اي بديل لإقالة المالكي سيكون مجرد كمية من العبارات الملتبسة التي تدرب السيد الجعفري على صياغتها سنوات طويلة.