ترجمة : المدى الثقافي ربما لم تعد الثقافة الارثوذكسية في فرنسا قوية كما كانت سابقا ، لكنها ما زالت فعّالة إلى حد ما، تُعلّم مواطنوها أن بلدهم اخترع الكثير مما يُقيَم الآن تحت اسم الحضارة. وحركة التنوير بدأت في باريس في ظل "النظام القديم"، بينما ثورة 1789، نتاجها الآيديولوجي، عرّفت بقية أوربا بمفهوم التحرر السياسي.
مؤلف الكتاب، الباحث الفرنسي المتميز مارك فومارولي هو من بين الكهنة الكبار في هذه الديانة التي تعتبر فرنسا وعاءً لـ((الإشعاع، الشفافية، الأناقة والتهذيب)) . الكتاب الذي بين أيدينا الآن هو نسخة انكليزية من "عندما كانت أوروبا تتحدث الفرنسية"، نُشِر أول مرّة عام 2001، وفيه يؤكد على نحو مثير الإيمان أن الفرنسية حديث مثالي للفكر. مقدمته المنطقية في أوروبا القرن الثامن عشر، حين ((كانت اللغة الفرنسية مألوفة أينما ذهبوا. باريس كانت الوطن الثاني لكل أجنبي، وفرنسا أصبحت موضوعا للفضول الجمعي الأوربي)).في تتابع من المقالات التي بدت وكأنها منحوتة بإزميل، بعض منها بورتريهات مصغّرة وأخرى في شكل تخطيطات بيوغرافية، يقودنا فومارولي بشكل مهذّب خلال الصالونات الفرانكفونية ومدن القارة المنوَّرة، عبْر مشهد ثقافي يمتد من نابولي وبوتسدام إلى وارشو، ستوكهولم وسانت بترسبورغ.نحن نلتقي جمعا متألقا ــ تقريبا كل فرد فيهم هو أرستقراطي ملكي. الاثنان العظيمان فردريك وكاثرين، هما أكثر الحضور جلاءً، بجانب ملكي السويد وبولندا غوستاف الثالث وسانسلاف بونياتوفسكي، مرغريفة بايروث، أمير سافوي يوجين، المركيز دي دوفان والكونت الغاروتي. لكل واحد من هؤلاء، لم تكن الفرنسية مجرد لسان فرنسي لطبقة عالمية مثقفة، بل وسيلة للبقاء في عالم كان عديم الرحمة، رغم انشغاله الكامل بالكياسة، وغالبا يكون عنيفا على نحو حازم إزاء أولئك الذين يخرقون دساتيره المؤيدة للحكم المطلق. لا غرو أن اللورد تشسترفيلد، وفقا لبونياتوفسكي، دفع لمراسل صحفي باريسي كي يرسل له أحدث العبارات الفرنسية الملائمة ليمكنه استخدامها وسط معارفه اللندنيين .يقدم متفرنسو فومارولي الممتازون مجموعة فخمة ممتعة من سيَر الحياة. البعض، مثل الأميرة ايكاترينا داشكوفا ، السفيرة المتجوّلة لحركة التنوير الروسية، أو اليعقوبي المنفي اللورد بولنغبروك، اللذين كانا معارضين (رُحَل) مثبتين في وطنهما، مع ذلك كانوا في الغالب خائبي الأمل بريفه مقارنة مع المدينة الكوزموبوليتية التي تركاها وراءهما .آخرون ، ممن انتقلوا الى باريس ، غدوا تقريبا غاليين بحماسة أكثر من سكانها الأصليين. الدبلوماسي النابوليّ فرناندو غالياني، بعد عشر سنوات صاخبة في العاصمة، يغتاب الفلاسفة في صالوني مدام جوفران ومادموزيل لا لسبيانس، طُرد من البلاد كبرسونا نون غراتا من قبل الوزير الأول للويس الخامس عشر. وهو عائد إلى نابولي، أعلن بحزن أن ((النبتات تُتلَف بتغيير التربة، وأنا كنت نبتة باريسية)). عدد منهم، مثل شارلوت - صوفي دالتنبورغ الجريئة ، لم يذهبوا في الواقع ابعد من ضفافالسين .نوستالجيا وقحة لعصر يؤشر ذروة الإمبريالية الثقافية الغاليّة، تجعل من "عندما كان العالم يتحدث الفرنسية" ذي نبرة محرِّضة. لأولئك الذين ، مهما كانت نظرتهم إليها ، يسلمون بعيوب الحضارة الفرنسية ــ لماذا، على سبيل المثال، لم تتمكن من إنتاج شعر جدير بالاحترام بين عامي 1650 و 1800؟ ــ يظهر هذا الكتاب معجبا بذاته، يعرض بعمى مقصود واقعيات أوسع من الفترة التي يزعم استكشافها. بعض من دعاوى فومارولي غير دقيقة ــ لم يكسب لويس الرابع عشر حرب الوراثة الاسبانية ــ بينما الدعاوى الأخرى، مثل قوله أن الديمقراطية الحديثة (( ولدت في ظل " النظام القديم " في فرنسا )) ، هي بصراحة مضحكة .
من الضفة الأخرى.."عندما كان العالم يتحدّث الفرنسية"
نشر في: 4 يوليو, 2012: 06:41 م